سورة الرعد [١٣: ١٣]
{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِى اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}:
{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ}: التّسبيح: هو تنزيه الله سبحانه عن بقية الذّوات، وصفاته عن باقي الصّفات، وهو منزه عن الأغيار، وعن الولد، والشريك، والنّد، والمثيل، وعن كلّ نقص، وعيب.
{بِحَمْدِهِ}: تسبيحاً مصحوباً بالحمد، الباء: للإلصاق، والمصاحبة.
{وَإِنْ مِنْ شَىْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: ٤٤]؛ بما في ذلك النباتات، والجمادات، والحيوانات، وبعض النّاس؛ فكل هذه النباتات، والجمادات، والحيوانات تسبح بحمد ربها، ولها لغة خاصة تتكلم مع بعضها البعض.
{وَالْمَلَائِكَةُ}: يسبحون كذلك.
{مِنْ خِيفَتِهِ}: من: تعليلية.
{خِيفَتِهِ}: الملائكة يخافون الله من الرّعد المصحوب بالصّواعق، والخوف ليس على أنفسهم، ولكن يخافون على النّاس؛ لأنّ الملائكة حفظة للناس، ومن وظائفهم أيضاً أنهم يستغفرون للذين آمنوا؛ سورة غافر، الآية (٧)، ويخافون ربهم مخافة إجلال، ومهابة.
{وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ}: نار تحدث من كهربة السّماء، وكهربة الأرض، عندما تتقارب السّحب من الأرض تنشأ هذه الصّواعق؛ جمع: صاعقة؛ الناتجة من تفريغ الشّحنة الكهربائية السّماوية في الأرض؛ مما يؤدي ـ أحياناً ـ إلى صاعقة تحرق كلّ ما تقع عليه بما فيها الغابات، والمنازل… وغيرها.
{فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ}: من: ابتدائية استغراقية؛ تشمل كلّ من يشاء.
{مَنْ}: اسم موصول؛ بمعنى: الذي.
أسباب النّزول: كما ذكر الواحدي، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- ، والطّبري قيل: نزلت هذه الآية في أربد بن قيس، وعامر بن الطّفيل حين حاولا قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأمّا أربد: فأرسل الله عليه صاعقة (ناراً من السّماء)؛ كالبرق فصعقته، وأحرقته، وأمّا عامر بن الطّفيل: فأصيب بالغدة: التهاب غدة في عنقه فهلك، ومات بسرعة.
وقيل: نزلت في رجل من طواغيت العرب، أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسولاً يدعوه إلى الإسلام، والإيمان؛ فقال: أخبروني ما الله؟ أمن ذهب، أم من فضة، ونحاس؟ وعاد الرّسول إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخبره بما قال ذلك الطّاغوت؛ فأرسل إليه ثانية، وثالثة، فرفض، فأرسل الله عليه ناراً فهلك؛ هذا ما رواه الطّبري، عن علي، وقاله مجاهد.
{وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِى اللَّهِ}: في شأن التّوحيد، والبعث، والملائكة، والولد، والبنت، والشّريك، وشأن الله تعالى؛ هل هو من ذهب، أو فضة، أو ينكرون القرآن، ويكذبون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
{وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}: المحال: مشتقة من الحول، والحول يعني: القدرة على التّصرف، أو المحال مشتقة من الحيلة (المحال؛ أي: الكيد)؛ شديد الكيد، وهو التّدبير الخفي بالمكايدة، وشديد المحال: شديد الأخذ، أو شديد العقوبة؛ شديد القوة، والانتقام، وشديد المحال: يضم كلّ تلك المعاني؛ أي: يخبر الله سبحانه أنّه أقوى منهم، وأشد حيلة، وقوة، وتصرفاً؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله، ولا حائل عن المعاصي إلا الله، ومن رحم، ولا قوة على الطّاعات إلا بالله، والاستعانة به، والتّوكل عليه سبحانه العليّ الكبير.