للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة المائدة [٥: ١١٠]

{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِى عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْـئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِى فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِى وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِى وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِى وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِى إِسْرَاءِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}:

المناسبة: بعد سؤال الرسل: {مَاذَا أُجِبْتُمْ}، وردهم: {لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}.

ينتقل -جل وعلا- ليسأل عيسى ابن مريم -عليه السلام- من بين الرسل كافة، سؤالاً خاصاً به وبأمه، وهذا الحدث، والأسئلة يوم القيامة، وفي أرض المحشر، وإذا انتبهنا إلى كلام الله سبحانه؛ سنجده بصيغة الماضي، ويوم القيامة في المستقبل!

لأن الزمن بالنسبة إليه -عز وجل- واحد، سواء أكان في الماضي، أم الحاضر، أم المستقبل؛ فهو خالق الزمن، وله الخيرة في اختيار أي زمن، أو جاء بصيغة الماضي؛ كأنه حدث وانتهى.

قبل السؤال الخاص عن: كيف اتخذوا عيسى وأمه -عليه السلام- إلهين، يبدأ يسرد بعض النِّعم الخاصَّة بعيسى وأمه -عليه السلام- .

ويبدأ -عز وجل- بذكر تأييده بروح القدس؛ أيْ: بجبريل -عليه السلام- .

والتأييد؛ يعني: (قوَّيناك)، والتأييد: مأخوذ من اليد، وبما أن اليد هي آلة القوة، والدفاع عن النفس {بِرُوحِ الْقُدُسِ}: اسم لجبريل -عليه السلام- ؛ لطهارته، والقدس: هو الله سبحانه، وإضافة القدس للروح هي للتشريف فقط، مثل القول: {نَاقَةُ اللَّهِ}، وسمِّي (روحاً): لأن المنهج الذي حمل للرسل هو حياة للنفوس، فقد سمِّي جبريل بالروح، كما سمِّي القرآن روحاً؛ كقوله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} [الشورى: ٥٢].

{تُكَلِّمُ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ وَكَهْلًا}: تكلم الناس في المهد؛ كمعجزة خارقة حين قلت للناس: {إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آتَانِىَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: ٣٠-٣١].

{وَكَهْلًا}: تدعوهم إلى الإيمان حين تكون كهلاً. ارجع إلى سورة آل عمران، الآية (٤٦)؛ لمزيد من البيان.

{وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ}: وإذ، تعني: واذكر.

{الْكِتَابَ}: الكتابة، والخط.

{وَالْحِكْمَةَ}: فقه الأحكام، والشريعة، والدِّين.

{وَالتَّوْرَاةَ}: كتاب موسى -عليه السلام- .

{وَالْإِنجِيلَ}: الكتاب الذي أُنزل عليك.

{وَإِذْ}: واذكر: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْـئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِى فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِى}: ارجع إلى سورة آل عمران، الآية (٤٩)؛ للمقارنة بين فتنفخ فيه وتنفخ فيها.

النفخ: في آية المائدة هنا يعود إلى الهيئة، ولذلك أنث، وجاء بكلمة {فِيهَا}.

والمعجزة: ليست في تشكيل الطير؛ كطير، وكهيئة، وإنما في تحول الطير الجامد إلى طير يطير بجناحيه.

وذكر كلمة {بِإِذْنِى} أربع مرات؛ للتوكيد أنه -جل وعلا- : هو الذي قام بذلك، وليس عسى -عليه السلام- .

{وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِى}: تشفي الأكمه: وهو الذي يولد أعمى؛ العمى الجنيني، والأبرص: وهو مرض فقدان الجلد للون البشرة، فيصبح مصاباً ببقع بيضاء متناثرة؛ بسبب نقص هرمون الملانيين.

{وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِى}:

واذكر: {وَإِذْ تُخْرِجُ}: أيْ: تحيي الموتى بإذني (بإذن الله -جل وعلا- ).

{وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِى إِسْرَاءِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}.

{وَإِذْ}: واذكر {وَإِذْ كَفَفْتُ}: منعت وصرفت.

{بَنِى إِسْرَاءِيلَ عَنْكَ}: حينما همُّوا بقتلك برفعك إلي.

{إِذْ}: ظرف زمان للماضي.

{جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ}: المعجزات التي ذكرت سابقاً.

{فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا}: الفاء: استئنافية؛ الذين كفروا من بني إسرائيل.

{إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}: إن: حرف نفي؛ أيْ: ما هذا، والنفي: بـ (إن) أقوى من النفي: بـ (ما).

{إِلَّا}: أداة حصر.

{سِحْرٌ مُبِينٌ}: سحر واضح، لا يخفى على أيِّ إنسانٍ، والسحر نفسه واضح وبيِّن، وفي قراءة أخرى قالوا: (إن هذا إلا ساحر مبين)؛ أيْ: عيسى -عليه السلام- ، ساحر، وما جاء به السحر؛ لتعريف السحر: ارجع إلى سورة البقرة، آية (١٠٢)، وسورة طه، آية (٥٨). ووصف ما جاء به عيسى بالسحر يعني أن عيسى -عليه السلام- ساحر وحكم الساحر في شريعة بني إسرائيل أن يقتل؛ إذ أن السحر عندهم كفر.

واتَّهموه بالسحر لما رأوا من تأثيره القوي في النفوس، وكانوا يظنون أن كل فعل غريب خارق للعادة سحراً، والحقيقة: هو ليس سحراً، بل هو حقيقة.