سورة لقمان [٣١: ٣٣]
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِى وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْـئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}:
المناسبة: بعد أن بيّن الله سبحانه في كثير من الآيات الكونية الدالة على عظمته وقدرته ووحدانيته، أراد أن يختم السورة بالأمر بتقوى الله تعالى عز وجل والخشية من يوم القيامة، ثم ذكر خمسة من مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو.
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ}: ياء النداء والهاء في (أيّها) للتنبيه، النّاس جميعاً المؤمن والكافر، الإنس والجن؛ أي: الثقلين، والناس مشتقة من: النَّوس؛ أي: كثرة الحركة.
{اتَّقُوا رَبَّكُمْ}: أي اجعلوا بينكم وبين سخطه وغضبه وناره وقاية، وذلك بطاعة أوامره وتجنب نواهيه، ربكم: مشتقة من الربوبية وهي التربية؛ وتعني الخالق الرازق المدبر المسيطر المربي، واختار كلمة ربكم؛ لأنه يريد أن يذكّرهم بأنه رب النّاس رب العالمين.
{وَاخْشَوْا يَوْمًا}: الخشية هي الخوف المقرون بالعلم والمقرون بالتعظيم والمهابة للذي تخشاه، يوماً: أي يوم القيامة جاء بصيغة النكرة؛ ليدل على التهويل والتعظيم.
{لَا يَجْزِى}: (في الآخرة) {لَا يَجْزِى وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ}: لا النّافية، يجزي: يُغني أو يقضي عنه ما عليه؛ أي: لا تنفع الولاية والنسب أو القرابة أو الصداقة أو الخلَّة.
ولم يقل لا يجزي فيه: (فيه) ظرفية تعني فقط في ذلك اليوم وغير الأيام تنفع، وإنما أطلق ولم يقل فيه.
{وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ}: الوالد: من الولادة؛ أي: الوالد الحقيقي ويختلف عن الأب الذي يرعى أو يربي الولد؛ أي: لا ينفع والد ولده بالشفاعة أو دفع العَدْل أو دفع الضر أو تخفيف يوم من العذاب، أو تحويل العذاب أو تبديله. والولد: كل مولود هو ولد لوالديه والولد يطلق على الولد الصغير أو الكبير وعندما يقرب من سن البلوغ يطلق على غلام.
وقدّم الوالد على الولد؛ لأن الوالد أكثر رحمة وشفقة، والوالد أحرص على نفع ولده من نفع الولد للوالد.
ولم يذكر كلمة (أبداً) فيقول لا يجزي أبداً؛ لأنه كما قال في سورة الطور آية (٢١): {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}، إيمان الآباء رفع درجة الأبناء ليكونوا مع آبائهم يوم القيامة.
{وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْـئًا}: تكرار (لا) يفيد زيادة توكيد النّفي، وفصل كل أمر عن الآخر أو كلاهما معاً.
{مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ}: المولود لا يقع إلا من ولد منك.
ولم يقل ولا ولد هو جاز عن والده؛ لأن الولد يقع على الولد وولد الولد، والولد يقول لجده أو عمه: أب، فإذا كان المولود لا يجزي عن والده الّذي ولد منه فمن الظاهر أنه لا يجزي عن جده أو عمه أو إخوته.
{هُوَ}: ضمير فصل يفيد التّوكيد.
{جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْـئًا}: أي لا يغني عن والده شيئاً، (شيئاً) بصيغة النكرة لم يحدد؛ ليشمل كل شيء من الأشياء من شفاعة أو حسنة أو عذاب أو فدية أو أيّ شيء من الجزاء.
لا يجزي الوالد عن ولده بدافع الحنان والشفقة.
ولا يجزي مولود عن والده بدافع التكليف أو الوصاية، ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً.
وإذا قارنّا كلمة جازٍ بكلمة يجزي، جاز: هو اسم، أما يجزي هو فعل، والاسم أقوى من الفعل؛ لأنه يدل على الثبوت والفعل يدل على التجدد والتكرار.
فالوالد لا يجزي: أي لا يجري بشكل متكرر، ولكنه أحياناً قد يجزي وأحياناً لا يجزي فربما هناك بعض الجزاء.
المولود لا جازٍ: صفة ثابتة؛ أي: المولود لا يغني عن والده أيَّ شيء مهما كان لا أحياناً ولا قليلاً ولا كثيراً.
{إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}: إن: للتوكيد، وعد الله حق: وعد الله صدق وثابت لا يتغير ولا يتبدل.
وعده حق بالثواب أو العقاب والبعث والجزاء والحساب والجنة والنار.
{فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}: الفاء للتوكيد، لا: النّاهية لكل الأزمنة.
تّغُرَّنَّكُمُ: أي لا تغتروا بالحياة الدنيا، وأكّد الفعل بنون التّوكيد الثقيلة (أي نهي مؤكد)؛ أي: لا تخدعنكم بزينتها وزخرفها وجمالها، ومتاعها الزائل ومالها ونسائها. تغرنكم: تُدخل فيكم الغرور.
{وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}: الغَرور هو الشيطان.
الغرور صيغة مبالغة مثل: كفور وشكور.
وغرور: يعني كثرة الغَرّ.
ولا يغرنكم الشيطان بالوسوسة والتزيين والمعاصي واللذة العاجلة.