للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة النساء [٤: ١٥٣]

{يَسْـئَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا}:

{يَسْـئَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ}: أي: اليهود.

{يَسْـئَلُكَ}: ولم يقل: يسألونك. يسألك السائل، وليس بالضروري أن يكون السائل أمامك ويسألك، ولو قال: يسألونك، السائل يقف أمامك ويسألك، هذا هو الفرق بين يسألك ويسألونك، وجاءت يسئلك بصيغة المضارع للدلالة على تكرار السؤال المرة بعد الأخرى بقصد التحدي والإعجاز، وكذلك لحكاية الحال؛ أي: استحضار الماضي حتى يصبح كأن السؤال يحدث الآن لبشاعة السؤال أو كونه غريب أو مستحيل.

{أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ}:

١ - {أَنْ}: للتوكيد، تؤكد حرصهم على هذا السؤال.

٢ - أن تنزل أنت (يا محمد)، وليس الله سبحانه؛ أيْ: يسألون محمد -صلى الله عليه وسلم- بدلاً من سؤالهم الله سبحانه، وهذا يدل على جهلهم وغباوتهم.

٣ - {أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ}: ولم يقولوا: يُنزل عليك؛ لأنك أنت الرسول، بل عليهم مباشرة.

{أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ}: أيْ: أنت، وليس الله سبحانه، وكيف يمكن أن تنزل عليهم، والنزول يعني: من أعلى إلى أسفل، وأنت لست في السماء، وإنما معهم على الأرض؛ أيْ: هم يريدون كتاباً يُنزل عليهم مباشرة منك، وليس من الله سبحانه، وقد تعني: أن تسأل الله أن ينزل عليهم كتاباً، وقد ردَّ الله سبحانه عليهم حين سألوه سؤالاً آخر بأن ينزل عليهم آية بقوله: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: ٥١].

٤ - {كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ}: كتاباً تاماً دفعةً واحدةً، جملةً واحدةً، ومن السماء.

وسؤالهم هذا سؤال من قبيل التعجيز، وليس سؤال استرشاد وهداية، وإنما سؤال جدل وعناد؛ أيْ: لا تتعجب من سؤالهم.

{فَقَدْ}: قد: للتحقيق.

{سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً}: أيْ: أرنا الله بأعيننا، وتمادوا في طغيانهم حتى أرادوا رؤية الله جميعاً، الكل يريد أن يرى الله سبحانه.

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ}:

{فَأَخَذَتْهُمُ}: الفاء: للتعقيب، والمباشرة بعد سؤالهم.

{فَأَخَذَتْهُمُ}: أهلكتهم، وقضت عليهم.

{الصَّاعِقَةُ}: مثل رعد، وبرق فيه نار (تيار كهربائي) قضى عليهم. ارجع إلى سورة فصلت، آية (١٣)؛ لمزيد من البيان.

{بِظُلْمِهِمْ}: الباء: للإلصاق، وقيل: باء السببية؛ أيْ: بسبب ظلمهم، أو بدل ظلمهم، الظلم: هو الخروج عن المنهج الرباني.

{ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا}:

كان يكفي ذلك الظلم، حين طلبوا رؤية الله -سبحانه وتعالى- ، وكان يكفي أنهم اتخذوا العجل الذي صنعه السامري لهم، وثم: هنا لا تدل على الترتيب والتراخي، وإنما فقط على التعداد الذكري.

{مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ}: من: الابتدائية لابتداء الغاية والمباشرة.

{مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ}: اتخذوا العجل، فلم يكن هناك زمن طويل يدعو إلى النسيان، والبينات مثل: فلق البحر، ونجاتهم من فرعون وجنوده، وغيره من الآيات، ولمقارنة جاءتهم البينات وقوله تعالى: {وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: ٨٦]؛ ارجع إلى سورة آل عمران آية (٨٦) للبيان والفرق بين الآيتين.

{فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ}: الفاء: للترتيب، والتعقب.

{فَعَفَوْنَا}: عن عبادتهم العجل بعد توبتهم، وقتل أولئك الذين عبدوا العجل.

{ذَلِكَ}: أي: اتخاذهم العجل، وطلبهم رؤية الله جهرةً وغيرها.

{وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا}: وآتينا موسى -عليه السلام- ، والإيتاء: هو أعم من العطاء وأوسع، وليس فيه تملك؛ ارجع إلى سورة البقرة آية (٢٥١) لمزيد من البيان في الإيتاء والعطاء.

{سُلْطَانًا مُبِينًا}: هو التوراة و {سُلْطَانًا مُبِينًا}: الحُجَّة القوية الواضحة.

{مُبِينًا}: الواضح البيِّن لكل من قرأ التوراة، والذي لا يحتاج إلى تبيُّن من أحد، فهو واضح بنفسه؛ لما فيه من الأحكام، والأوامر الربانية.