سورة الأعراف [٧: ١٨٩]
{هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}:
{هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}: هو: تعود على الله سبحانه وتعالى، وهو ضمير منفصل؛ يفيد الحصر، والتوكيد.
{خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}: الخلق: هو التقدير، والإيجاد.
{مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}: أيْ: من نفس الجنس البشري؛ أيْ: كل النفوس خلقت من نفس واحدة (مثل جرم واحد).
{وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}: الجعل: يكون بعد الخلق؛ أيْ: مرحلة تلي الخلق؛ أيْ: بعد خلق النفوس من نفس واحدة جعل بعضها أنثوية، وبعضها ذكرية؛ ليسكن إليها، ويغشاها، وتحمل، وتلد.
ولا بُدَّ من مقارنة ثلاث آيات متشابهة في القرآن؛ هي:
آية سورة النساء، رقم (١): {خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}.
آية سورة الأعراف، رقم (١٨٩): {خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}.
آية سورة الزمر، رقم (٦): {خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}.
أولاً: الآيات الثلاث مطلعها واحد هو قوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}؛ أيْ: كافة البشر بما فيهم آدم وحواء، وكل نفس أخرى؛ ذكراً وأنثى، الكل خلق من نفس واحدة هي الأصل.
أما بالنسبة لآية النساء، فقوله تعالى: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}: يؤكِّد أن نفس الذكر، ونفس الأنثى نفوس متشابهة (من حيث البناء) أو التشريح.
أما بالنسبة لآية الأعراف، قوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}: فالجعل يكون عادة بعد الخلق، فبعد أن خلق الله -جل وعلا- النفوس من نفس واحدة ميزها؛ جعل بعضها ذكرية، وأنثوية؛ ليتم التزاوج والتناسل، وهكذا ما تؤكده الآية؛ ليسكن إليها، ويتغشاها، وتحمل، وتلد.
أما بالنسبة لآية الزمر، قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}: فـ (ثم) هنا ليست للترتيب، والتراخي، وإنما للتباين، والاختلاف رغم كونها خلقت من نفس واحدة، فنفس الرجل (الزوج) غير نفس الأنثى (الزوجة) من حيث: اتخاذ القرار، والعواطف، والمشاعر، والرحمة، والأمومة، والحمل، والإرضاع، ومن حيث تحمل الأعباء، والمشاق، فلكل نفس طابع خاصٌّ مصوَّر في المحفظة الوراثية.
{لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}: اللام: لام التعليل؛ من السكينة، فالزوجة سكن لزوجها، والزوج سكن لزوجته؛ أيْ: لتأنس به ويأنس بها، ويأوي إليها، وتؤوي إليه، وفيها معنى الاستقرار، والإقامة؛ سكون مودة، ورحمة؛ أيْ: حب، وتراحم.
{فَلَمَّا}: الفاء: للتعقيب، والترتيب. لما: ظرف زماني؛ بمعنى: حين.
{تَغَشَّاهَا}: كناية عن الجماع، أو لامسها، أو الوطء، وتغشاها: مشتقة من الغشاء؛ أي: الغطاء؛ أي: الستر؛ أيْ: هو يسترها، وهي تستره كالغطاء كلٌّ للآخر.
{حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا}: أيْ: ابتدأ الحمل في أسابيعه الأولى، كانت لا تشعر بأنها حامل، ولا تشكو من أي أعراض الحمل من تعب أو إعياء.
{فَمَرَّتْ بِهِ}: فلما تجاوزت الأسابيع الأولى، واستمرت في حملها.
{فَلَمَّا أَثْقَلَت}: أيْ: بلغت مراحل الحمل الأخيرة زاد وزنها، وأصبحت تعاني من أعراض الحمل من التعب، والإعياء، وغيرها من الأعراض.
{دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا}: أي: الزوج، والزوجة؛ دعوا الله ربهما دعاء التوحيد، توحيد الألوهية، والربوبية معاً.
{لَئِنْ}: اللام: للتوكيد، إن: شرطية.
{آتَيْتَنَا صَالِحًا}: أيْ: رزقتنا ولداً سوياً من العيوب، والأمراض، وقد تعني صالحاً: صلاح الدِّين، أو كلاهما.
{لَنَكُونَنَّ}: اللام، والنون: تفيدا التوكيد.
{مِنَ الشَّاكِرِينَ}: من: ابتدائية. الشاكرين: لنعمك علينا، والشاكرين على المولود. ارجع إلى الآية (١٠) من نفس السورة؛ لمزيد من البيان.