سورة لقمان [٣١: ٣٤]
{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}:
{إِنَّ اللَّهَ}: إن: للتوكيد.
{عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}: أي موعدها وأهم مفاتح الغيب، لا يعلمها إلا هو. وتقديم الخبر على المبتدأ يفيد الحصر والقصر، والساعة تعني: بدء تهدّم النظام الكوني الحالي.
{وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ}: والغيث أهم أسباب الحياة: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ} [الأنبياء: ٣٠]، وذكر الغيث – ماء السماء – أولاً؛ لأنه سبب الزرع والغذاء والحياة.
وينزل الغيث: بصيغة المضارع؛ لتدل على التجدد والتكرار والاستمرار. ولم يقل المطر؛ لأن الغيث يحمل معنى الخير والمطر يحمل معنى الشر (من خصائص القرآن): وما نراه من الأخبار عن الأحوال الجوية ليس صحيحاً وكاملاً في كثير من الأحيان، فهم لا يعلمون كما يعلم الله كمية الأمطار وأين ستحلّ، ونوع هذه الأمطار أو الثلوج أو الرياح وشدتها، فما يخبرون به عبارة عن تنبّؤات فقط، وهذا لا يقارن بعلم الله المنزل للمطر والمشكِّل للسحب والرياح والعواصف.
{وَيَعْلَمُ مَا فِى الْأَرْحَامِ}: ما: للعاقل وغير العاقل في أرحام كل أنثى من النّساء وغيرها من أرحام والجن والحيوان، يعلم الجنس ذكراً أو أنثى، ويعلم إن كان توأماً أم أكثر أو عدد الأجنة، ويعلم هل الجنين تام أو ناقص، وإذا فيه تشوهات خلقية أم لا، يعلم زمن وساعة ولادته، يعلم ما تغيض الأرحام وما تزداد، يعلم علماً كاملاً شاملاً لا يقتصر على ذكورة أو أنوثة أو صفة أو صفتين، يعلم هل سيحيى أم يموت ويعلم صفاته الوراثية، وتشير الآية إلى جميع الأرحام، وأما الأطباء فيعلمون شيئاً ما ولكن علمهم قاصر ولا يتعارض مع هذه الآية؛ لأن الله سبحانه منحهم القدرة على علم بعض الصفات.
{وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}: وما: النافية، تدري: من درى بمعنى: علم، والدراية: أخص من العلم، ولا تكون إلا بعد الجهل، والدراية تستعمل في حق البشر، ولا تستعمل في سياق الله، فبعد الولادة تأتي مرحلة الكسب، والكسب يشمل الرزق والمال، أو العلم والحسنات والسيئات والذنوب والصالحات والخير والشر.
غداً: لا تعني الغد بعينه وإنما في المستقبل من كل أنواع الكسب والحلال والحرام.
{وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}: بعد الولادة والكسب، تأتي مرحلة الموت.
لا تدري بأيّ أرض ولا بأيّ زمن ولا أين تدفن، لا يعلم ذلك كاملاً إلا الله وحده سبحانه.
{إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}: إن للتوكيد. الله عليم: بخلقه وكونه وبعباده ومخلوقاته، عليم بما يفعلون من صغيرة وكبيرة وما يفعلون من خير وشر، ويعلم المؤمن والكافر والمشرك. خبير: ببواطن كل الأمور وخفاياها، خفايا الأنفس، وعليم بظواهر الأمور، وعليم وخبير: صيغة مبالغة، تدل على كثرة العلم والخبرة.
وكل ما توصل إليه العلم الحديث والبحوث والاكتشافات والتجارب هي تعتبر ظاهراً من الحياة الدنيا وعلماً ناقصاً، ورغم ذلك يعتبر ذلك من فضل الله على خلقه ورحمة بهم، ولعلهم إذا توصلوا إلى بعض الحقائق والإعجازات العلمية يؤمنون بربهم ويتوبون إليه، ويحمدونه ويشكرونه بدلاً من الغرور.