سورة هود [١١: ٤٦]
{قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْـئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّى أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}:
{قَالَ يَانُوحُ}: قال سبحانه رداً على قول نوح: رب إنّ ابني من أهلي:
{يَانُوحُ}: يا: النّداء: للبعد.
{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}: إنّ: للتوكيد.
{لَيْسَ}: للنفي.
{مِنْ أَهْلِكَ}: من: ابتدائية، استغراقية؛ ليس من أهلك: قد تعني: من أهل دينك؛ بسبب عمله غير الصّالح؛ لأنّ الكفر يقطع قرابة النّسب، والدّم، وقالوا: أخوَّة الدِّين أهم من أخوَّة النّسب، أو ليس من أهلك: الّذين وعدتك بنجاتهم.
فنوح -عليه السلام- لم يعلم، أو نسي هذا الحكم الشّرعي: إنّ الكفر يقطع صلة القرابة، والنّسب، أو لم يظن أنّه عمل غير صالح (ما قام به ابنه كنعان)، أو نسي نوح قول الله -سبحانه وتعالى- : {وَلَا تُخَاطِبْنِى فِى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ}، أو نسي قوله: {إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ}؛ أيْ: زوجته، وكنعان.
{إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}: إنّ: للتوكيد.
{عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}: قد تعني: ما تسألني عمل غير صالح إنه ابن غير صالح، أو ما قام به، أو عمله كنعان عمل غير صالح، أو إنه ذو عمل غير صالح، أو إن كنعان كله تحول إلى عمل غير صالح؛ مبالغة في الذم، ولم يُعد يرجى منه خيراً.
{فَلَا تَسْـئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}: الفاء: للتوكيد. لا: النّاهية.
{تَسْـئَلْنِ}: النّون: لزيادة التّوكيد؛ تسألن: من دون ياء المتكلم، وأشار إليها بكسرة؛ لأن الرّد فيه نهي، وإيجاز، واختصار، ونوح سأل سؤالاً واحداً.
بينما في سورة الكهف، الآية (٧٠) قال تعالى على لسان الخضر: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِى فَلَا تَسْـئَلْنِى عَنْ شَىْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا}؛ لأنّ موسى سأل الخضر ثلاثة أسئلة: عن السّفينة، وقتل الغلام، وبناء الجدار؛ طبقاً للقاعدة: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى. تسألن: سؤال واحد، تسألني: عدة أسئلة.
{مَا}: النّافية للحال، والاستقبال.
{لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}: أيْ: فكر جيداً قبل أن تسأل أيَّ سؤال ليس لك به علم. والسؤال كان: {إِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلِى} ولم يكن من أهله الذين وعده بنجاتهم.
{إِنِّى أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}: إنّي: إنّ: للتوكيد، أعظك: الوعظ: النّصح بالطّاعة، والعمل الصّالح، والإرشاد إلى الخير، والتّحذير، والنّهي.
{أَعِظُكَ}: أيْ: أنهاك، وأحذرك، أو أنصحك.
{أَنْ}: حرف مصدري؛ يفيد التّعليل، والتّوكيد.
{تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}: الجاهلين: الّذين لا يعلمون بأنّه ليس من أهلك، أو الّذين يعلمون، ولا يعملون بما يعلمون، أو من الجاهلين حين قلت لك: {وَلَا تُخَاطِبْنِى فِى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ} [المؤمنون: ٢٧]. ارجع إلى سورة الزمر آية (٦٤)، وسورة الفرقان آية (٦٣) لبيان معنى الجاهلين.