للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة البقرة [٢: ٢٦]

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْىِ أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِى بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}:

سبب النّزول: نزلت هذه الآية؛ بعد أن تكلم بعض المشركين واليهود، وطعنوا في الأمثال الّتي ضربها الله للناس في القرآن، وأنكروها، وقالوا: ما هذه الأمثال، الّتي يذكرها الله، عن الذباب، والعنكبوت، وغيرها، وبعضهم قال: الله أجل وأعلى أن يضرب مثل هذه الأمثال، كقوله: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج: ٧٣].

{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا} [العنكبوت: ٤١].

فنزلت هذه الآية؛ رداً على أقوالهم وافتراءاتهم.

{إِنَّ اللَّهَ}: إن؛ للتوكيد.

{لَا يَسْتَحْىِ}: لا؛ النّافية. {يَسْتَحْىِ}، من الحياء؛ وهو ما يعتري الإنسان، من تغير، وخجل، وحرج، حين يُعاب على أمر ما، أو يُذم به؛ أي: إن الله لا يخشى أن يضرب مثلاً، أياً كان ذلك المثل.

وليس الحياء بمانع لله تعالى، من ضرب الأمثال، بهذه المخلوقات الصغيرة؛ كالبعوضة، {فَمَا فَوْقَهَا}: فوق؛ في اللغة، تجمع أمرين، {فَمَا فَوْقَهَا}؛ في الحجم؛ أي: أكبر منها حجماً، أو زيادة في الوصف، زيادة؛ أي: في صفاتها التكوينية والقدرات.

وضرب الأمثال؛ عادةً لتوضيح الأحكام، أو تبيان قدرة الله العظيمة، وعجائب خلقه، {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: ٤٣]؛ أي: لا يتدبرها إلَّا الراسخون في العلم.

{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَّبِّهِمْ}:

أما: للتفصيل؛ أياً كان ذلك المثل؛ بعوضة أو غيرها، فالمؤمنون يصدقون به، سواء أدركوا الحكمة، من كبرها، أو صغرها، وصفاته أم لا؛ لأنّ ذلك هو الحق من ربهم. ارجع إلى الآية (١١٩) في نفس السورة لبيان معنى الحق.

{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا}:

فهم يستهزئون بتلك الأمثال، ويقولون متعجبين: ماذا أراد الله بضرب أمثال هذه الأشياء؛ بعوضة، عنكبوت، ذبابة، فهم في حيرة من أمرهم، لكونهم لم يدرسوا، ويعرفوا دقائق خلقها، وعجائب صنعها بعد، ولو درسوا ذلك لعرفوا الحق، ولما سألوا ذلك.

فالبعوضة تبين من الدراسات العلمية أنّ لها (٣) قلوب وعينين، كل عين مزودة بأكثر من (١٠٠) عدسة، وأسنان تقدَّر بـ (٤٧) سنّاً… وغيرها.

{يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِى بِهِ كَثِيرًا}: ثم يرد الله على هؤلاء المتسائلين، بأنّ ضرب هذه الأمثال، قد يكون سبباً في زيادة ضلال كثير من الكافرين، أو زيادة هداية الكثير من النّاس.

{وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}: جمع فاسق، الفاسقون؛ أي: الخارجون عن طاعة الله، والفسق؛ لغةً: هو الخروج عن طاعة الله، أو الدِّين. يقال: فسقت الرطبة عن قشرتها، إذا خرجت؛ أي: أصبحت الثمرة غير ملتصقة بالقشرة، والفاسق هو الخارج عن فطرته، والفسوق؛ هو الخروج عن طاعة الله ورسوله إلى المعصية، فالكافر يعد فاسقاً، والمشرك يعد فاسقاً، والتارك لدينه تعالى يعدُّ فاسقاً، وفسق؛ يعني خرج عن أمر ربه؛ أي: منهج الدِّين، ولا يعني الخروج من الملَّة، والفسوق؛ عام، يشمل الكثير من الأمور، مثل: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧].

{وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} [البقرة: ٢٨٣].

{وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: ٣].

{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١].

ثم ذكر ثلاث صفات للفاسقين: