أسباب النّزول: كما روي عن ابن عبّاس: نزلت في أهل الكتاب قالوا للمؤمنين: نحن أولى بالله منكم وأقدم كتاباً، ونبينا قبل نبيكم. فقال المؤمنون: نحن أحق بالله؛ آمنّا بمحمّد ونبيكم وبما أنزل الله من كتاب. وقيل: كما روى البخاري عن أبي ذر نزلت في حمزة وعبيدة وعلي بن أبي طالب وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة حين تبارزوا للقتال يوم بدر. وقيل: إنّها تعني جميع المؤمنين والكفار، وهذا ما ذهب إليه مجاهد وعطاء. رواه الطبري.
{هَذَانِ خَصْمَانِ}: اختصموا في ربهم، خصمان: لا تعني اثنين، بل هما جمعان أو فريقان، والمراد بهما المؤمنون والكافرون، والدّليل على ذلك قوله: اختصموا في ربهم، ولم يقل اختصما بالتّثنية، والخصم يطلق على الواحد أو الجماعة أو الاثنين. فاسم الإشارة يفيد التثنية، ولمعرفة العدد جاء بضمير الجمع.
{اخْتَصَمُوا فِى رَبِّهِمْ}: الخصم هو من يعارض غيره في الرّأي ويتعصب لرأيه، كلٌّ يدّعي أنّه على الحق أو على الصّواب، في ربهم: في دين ربهم، أو صفات ربهم، أو في البعث، أو آيات الله. حين قال بعض أهل الكتاب للمؤمنين: نحن أحق بالله منكم ونحن أقدم منكم كتاباً، ونبينا قبل نبيكم، وكفرتم حسداً من عندكم، فالله يفصل بينهم يوم القيامة، كما قال سبحانه في الآية (١٧) من السّورة نفسها: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ} وكفى بالله شهيداً، فلا داعي لتكرار ذلك وبين جزاء كلٍّ من الفريقين.
{فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَّارٍ}: قطّعت: جاءت بصيغة الماضي، وهذا يدل على أنّ هذا التّقطيع واقع لا محالة؛ أي: كأنّه وقع وانتهى، قطّعت: فصّلت، أو قطعت لهم ثياب من نار على قدر أجسادهم، فليست فضفاضة ومتسعة مريحة؛ حتّى تحيط بهم إحاطة الثّوب بلابسه، وكذلك قطعت تعني أُعدت بسرعة بدون تأخير.
{يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ}: الحميم: الماء البالغ منتهى الحرارة، الماء المغلي. من فوق رؤوسهم: من تعني: هم واقفون تحت الماء مباشرة ويصب الماء فوق رؤوسهم.