للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة يونس [١٠: ٧١]

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِى وَتَذْكِيرِى بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَىَّ وَلَا تُنْظِرُونِ}:

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ}: الواو: استئنافية، اتلُ عليهم، أو أخبرهم، أو اقرأ عليهم، والخطاب موجَّه إلى النّبي -صلى الله عليه وسلم-، أو أفراد أمته. والتّلاوة: هي في الأصل موالاة الكلمات الكلمة بعد الكلمة، واتلُ؛ أي: اقرأ: والتّلاوة أخص من القراءة؛ فكلّ تلاوة قراءة، وليست كلّ قراءة تلاوة. والتّلاوة لا تكون عادة إلّا من كتاب الله تعالى، ولها أجر؛ الحرف بعشر حسنات.

{نَبَأَ نُوحٍ}: النّبأ: هو الخبر العظيم؛ أيْ: أخبر قومك خبر نوح العظيم.

{إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ}: إذ: ظرف زماني للزمن الماضي، وتعني: حين.

{قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ}: يا: أداة نداء للبعد، يا قوم: نداء فيه معنى اللِّين، والعطف على قومه.

{إِنْ}: شرطية، وفيها معنى الاحتمال أن يكون مقامه قد كَبُرَ على قومه.

{كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم}: كان: للتوكيد.

{كَبُرَ عَلَيْكُم}: كبر؛ أيْ: عظم، وشق عليكم، أو صعب عليكم ما أدعوكم إليه.

{مَّقَامِى}: مقامي؛ أيْ: طول إقامتي، أو مكثي بينكم، أو طالت دعوتي إليكم (٩٥٠ سنة)، انتبه إلى تشديد الميم، وفتحها مَقامي؛ لأنّ هناك مُقاماً بضم الميم، وهنا مَقامٌ بفتح الميم من دون تشديد، وأمّا الفرق بين هذه الثّلاث فهو:

مَّقام: تعني: المُقام المؤقت؛ سواء أكان الوقوف على الحجر لبناء الكعبة، أم الدّعوة؛ دعوة قومه المؤقتة، ثمّ تنتهي {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَّقَامِكَ} [النمل: ٣٩]، {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: ١٢٥].

بينما مُقام: مكان إقامة دائمة، وسكن؛ مثل: {يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ} [الأحزاب: ١٣]، {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: ٦٦].

أما مَقام: فهو المنزلة الرّفيعة، أو الدّرجة الرّفيعة، وقد تعني: الخيرات كقوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء: ٧٩].

{وَتَذْكِيرِى بِآيَاتِ اللَّهِ}: وتذكيري لكم بآيات الله، وتشمل الآيات الكونية، أو التنزيلية، أو المعجزات الدّالة على وحدانية الله، وعظمته. والباء: للإلصاق، والاستمرار.

{فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ}: فعلى: الفاء: للتوكيد؛ على الله: تقديم الجار والمجرور لفظ الجلالة تشير إلى الحصر، أو فقط على الله وحده توكلت: أعتمد عليه وأطلب منه المساعدة والعون في دعوتي إياكم لتبعدوه وتوحدوه.

{فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَىَّ وَلَا تُنْظِرُونِ}: أجمعوا: أي: اتفقوا على رأي واحد؛ اتفقوا معاً. أجمعوا: فيها معنيين: الإجماع، والجمع؛ الجميع اجتمعوا على رأي واحد؛ أي: اتفقوا.

{وَشُرَكَاءَكُمْ}: الواو: تعني: مع؛ شركاءَكم: رؤساءَكم، أو ذوي الأمر؛ اجتمعوا واتفقوا على رأي واحد، ثمّ ينصح أعدائه بقوله؛ لأنّه واثق من عون الله له.

{ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً}: ثمّ: للتدرج في التّحدي (الدّرجة الثّانية).

{لَا}: النّاهية.

{يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً}: غمة: معناها السّتر، والتّغطية؛ أيْ: لا يكن أمركم مكتوماً، أو مستوراً مخفياً، بل أظهروه، واكشفوا ما اتفقتم عليه، أو حكمتم به للملأ.

{ثُمَّ}: الدّرجة الثّالثة.

{اقْضُوا إِلَىَّ}: اشرعوا في تنفيذ ما قضيتم (حكمتم به).

{وَلَا تُنْظِرُونِ}: لا تمهلون (لا تعطوني وقتاً طويلاً، أو مهلة طويلة) نفِّذوا الحكم مباشرة ضدي، ومن دون تأخير، وهذا أقصى التّحدي؛ فإني لست مبالياً بكم، ولم يقل: ولا تنظروني؛ أيْ: تمهلوني، وإنما تنظرون: حذف الياء؛ ليدل على قصر زمن الإمهال.

ولنعلم: أنّ ما ورد في سورة يونس من قصة نوح هو جاء ليظهر موقف التحدي والصراع بينه وبين قومه، ولم يتطرق إلى كيفية كانت دعوته، وطريقته؛ فهذا تراه في سور أخرى؛ مثل: سورة هود، والأعراف، وسورة نوح… وغيرها.