للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: إن كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه، وإلا بعته، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين سمع نداء الأعرابي: "أوليس قد ابتعته منك؟ " قال الأعرابي: لا واللَّه ما بعتك، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بلى قد ابتعته" فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدا، قال خزيمة (١): أنا أشهد أنك قد ابتعته، فأقبل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على خزيمة، فقال: "بم تشهد؟ " فقال: بتصديقك يا رسول اللَّه، فجعل شهادة خزيمة شهادة رجلين (٢).

• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يشهد على بيعه، ولو كان واجبا لأشهد منذ بداية العقد، ثم مع عدم إشهاده فإنه عد البيع صحيحا ولم يبطله لما أنكر الأعرابي، فدل على أن من لم يشهد فإن بيعه تام وصحيح.

الثالث: أن الأمة نقلت خلفا عن سلف عقود المبياعات في أمصارهم من غير إشهاد، مع علم فقهائهم بذلك من غير نكير منهم عليهم، ولو كان الإشهاد واجبا لما تركوا النكير على تاركه مع علمهم به.

وفي ذلك دليل على أنهم رأوه ندبا، وذلك منقول من عصر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يومنا هذا. ولو كانت الصحابة والتابعون تشهد على بياعاتها لورد النقل به متواترا مستفيضا، ولأنكرت على فاعله ترك الإشهاد، فلما لم ينقل ذلك عنهم دل على أن الأمر مندوب غير واجب (٣).

• المخالفون للإجماع:

خالف في هذه المسألة جماعة من السلف، فقالوا بوجوب الإشهاد على البيع،


(١) خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة الأنصاري الأوسي الخطمي، من السابقين الأولين، شهد بدرا وما بعدها، كسر أصنام بني خطمة، وكانت راية خطمة بيده يوم الفتح، جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شهادته بشهادة رجلين، قتل بصفين، وكان كافا سلاحه حتى قتل عمار، كان ذلك عام (٣٨ هـ). "الاستيعاب" (٢/ ٤٤٨)، "أسد الغابة" (٢/ ١٧٠)، "الإصابة" (٢/ ٢٧٨).
(٢) أخرجه أحمد في "مسنده" (٢١٨٨٣)، (٣٦/ ٢٠٥)، وأبو داود (٣٦٠٢)، (٤/ ٢٢٣)، والنسائي في "المجتبى" (٤٦٤٧)، (٧/ ٣٠١)، والحاكم في "المستدرك" (٢١٨٧)، (٢/ ٢١). قال الحاكم: [هذا حديث صحيح الإسناد، ورجاله باتفاق الشيخين ثقات ولم يخرجاه].
(٣) "أحكام القرآن" للجصاص (١/ ٦٥٨). وينظر: "المغني" (٦/ ٣٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>