للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن سكوت المجتهد في معرض الحاجة إلى البيان بيان، ويلزم العالم أن ينكر المنكر، وإلا، دل سكوته على موافقته للفتوى أو الحكم، يقول الدكتور/ عياض السلمي: وما ذكر من الاحتمالات التي يمكن أن يحمل عليها سكوته، كلها احتمالات ضعيفة، إذ لو تحقق بعضها لقامت عليه قرائن تدل عليه، ولما سكت عن الإنكار إلى وفاته، ثم إن عادة العلماء الجهر بالحق وعدم الخوف من سلطان أو غيره، وإذا سكت العالم عن الإنكار علانية، فلن يسكت عن بيان الحق لطلابه وخاصته وناقلي فقهه، وأما سكوته لعدم نظره في المسألة، فلا ينافي الإجماع؛ لأنه حينئذ لا قول له في المسألة (١).

الاتجاه الثالث: أنه حجة، وليس إجماعا، وبه قال بعض المعتزلة، وهو المشهور في مذهب الشافعية (٢).

واستدلوا بأن سكوت من سكتوا يدل ظاهرًا على الموافقة، فيكون الحكم حجة يجب العمل به، مثل خبر الواحد والقياس، وإنما أنكروا كونه إجماعًا، لما وجد من احتمالات كثيرة حول سكوت الساكتين -كما سبق بيانه آنفًا-، ولوجود تلك الاحتمالات، فإن الاستدلال به يضعف، الأمر الذي يمنع كونه إجماعا (٣).

وقد سبقت مناقشة هذه الاحتمالات، عند مناقشة أدلة الاتجاه الثاني.

الترجيح: الظاهر في هذه المسألة -واللَّه أعلم- هو رجحان الاتجاه الأول القائل بحجية الإجماع السكوتي، فأدلة القائلين به أقوى من أدلة غيرهم، ولأنه


(١) أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله (١/ ٩٤). وينظر: روضة الناظر (٢/ ٤٩٤ - ٤٩٦). والبحر المحيط في أصول الفقه (٣/ ٥٤٢).
(٢) ينظر: البرهان (١/ ٤٤٧)، الإبهاج (٢/ ٣٨٠)، البحر المحيط (٣/ ٥٤٢)، التقرير والتحبير (٣/ ١٣٥).
(٣) ينظر: التبصرة في أصول الفقه، (ص: ٣٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>