للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث ماهية الحد الواجب بالبغي]

من الأصول المتفق عليها عند أهل السنة والجماعة وجوب السمع والطاعة لولي أمر المسلمين بالمعروف، إذ لا تجتمع الكلمة، ولا تتحقق المصالح العامة إلا بذلك، بل إن كثيرًا من الشعائر الإسلامية لا تؤدى إلا بإذن إمام المسلمين، كالجهاد، إقامة الحدود، ونصب القضاة وغير ذلك، وفي الخروج على الإمام مفاسد عظيمة في هلاك النفس والمال، ومن مقاصد الشريعة حفظ هذين الأمرين، لذا حرم الإسلام الخروج على الإمام، وأوجب على المسلمين قتالهم، ودفع شرِّهم، فإذا خرج جماعةٌ على إمام المسلمين فيجب على الإمام أولًا مراسلتهم، وإزالة شبههم، وما يدعون من المظالم، فإذا ذكروا مظلمةً أزالها، وإن ذكروا شبهةً كشفها؛ لأن ذلك وسيلة إلى الصلح المأمور به في الآية.

فإن رجعوا وإلا لزمه قتالهم؛ عملًا بقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩)} (١).

ويجب، على رعية الإمام معونته، فإذا ترك البغاة القتال حرُم قتلهم، وقتْل مدبرهم وجريحهم؛ لأن المقصود قتالهم لا قتلهم، ولا يغنم مالهم ولا تسبى ذراريهم، ويجب رد ذلك إليهم؛ لأن أموالهم كأموال غيرهم من المسلمين، وإنما أبيح قتالهم لردهم إلى الطاعة، ويغسل قتلاهم، ويصلى عليهم؛ لأنهم مسلمون، كما سيأتي بيان ذلك مفصلًا بأدلته (٢).


(١) سورة الحجرات، آية (٩).
(٢) انظر: المسألة الثانية تحت عنوان: "عدم تكفير أهل البغي"، والمسألة العاشرة تحت عنوان: "إذا قتل أهل العدل أهلَ البغي فإن البغاة يُغسلون ويصلى عليهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>