للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بجعل يجعلوه لهم، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقرهم على ذلك، ولم ينكر عليهم، فدل على جواز فعلهم.

الثالث: أن الحاجة داعية لمثل هذا العقد، فقد يشرد العبد وتضل الضالة، ولا يجد من يتبرع له في البحث عنهما، ولا يمكن له أن يستأجر عليهما، وذلك للجهالة في العمل الذي يمنع صحة الإجارة، فلم يبق إلا أن يصح له أن يضع جعلا يستحقه من أدى له هذا العمل، والشارع الحكيم لا يمنع ما فيه منفعة للناس (١).

• المخالفون للإجماع:

خالف في هذه المسألة: ابن حزم الظاهري، قال: لا يجوز الحكم بالجعل على أحد، ولا يقضى له بشيء لو أحضره، لكن يستحب له الوفاء بما وعده إياه (٢).

واستدل لقوله: بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن إضاعة المال (٣)، واللَّه أمر بالتعاون على البر والتقوى، وحق على كل مسلم أن يحفظ مال أخيه إذا وجده، ولا يحل له أخذ ماله بغير طيب نفس منه (٤)، فلا يحل لمن أتى بآبق؛ لأنه فعل ما هو واجب عليه تجاه أخيه (٥).

أما استحباب الوفاء بما وعده إياه، فلأنه وعد، والوعد غير واجب الوفاء به في هذه الحالة، وإنما هو على الاستحباب (٦).

ولم أجد من وافقه من المتقدمين أو من المتأخرين على قوله هذا.

النتيجة: صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الخلاف فيها.

[٢] عدم استحقاق الجعل على عمل غير رد الآبق]

• المراد بالمسألة: من عمل لغيره عملا كرد لقطة أو ضالة ونحوها، ولم يكن صاحب العمل قد حدَّد جُعلا لهذا العمل، وهذا العمل لم يكن تخليص متاع لغيره من هلكة متحققة كفلاة أو بحر أو فم سبع، وهو -أي: العامل- غير مُعدٍّ لأخذ


(١) ينظر: "المغني" (٨/ ٣٢٣).
(٢) "المحلى" (٧/ ٣٣).
(٣) سبق تخريجه.
(٤) سبق تخريجه.
(٥) "المحلى" (٧/ ٣٨).
(٦) "المحلى" (٧/ ٣٥). وابن حزم يرى أنه لا يجب الوفاء بالوعد إلا الوعد الذي افترضه اللَّه تعالى فقط.

<<  <  ج: ص:  >  >>