للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيه: المتأمل للإجماعات التي يحكيها العلماء، يجد أن غالبها مردُها إلى هذا النوع من أنواع الإجماع، سوى نزر يسير منها، وهي الإجماعات القطعية التي هي معلومة من الدين بالضرورة، فالعالم إما أن ينقل الإجماع عن عالم آخر، أو ينقله ابتداء، ونعلم أنه لم يستنطق العلماء الذين في زمانه واحدا واحدا، أو يتتبع أقوالهم وإنما غاية ما في الأمر أنه لم يطلع على المخالف في المسألة، ويرى اشتهارها بين العلماء، ولم يعلم أحدا خالف من المتقدمين من العلماء، فيحكيه ابتداء، خاصة إذا علمنا أن الإجماع الذي يذكره الأصوليون بشروطه المعروفة يَصْعب وقوعه، ويقِل حدوثه؛ لصعوبة تحقق الشروط مجتمعة، وهذا يؤدي إلى عدم الاستفادة بأصل الإجماع، ويفتح أبوابا من الشر عظيمة، يقول د. عمر الأشقر: [فَتَح القول بهذا النوع من الإجماع -يقصد الذي يذكره الأصوليون- بابَ شر على المسلمين، فبعض ضعاف النفوس الذين يريدون أن يلبِسوا على المسلمين دينهم، يجادلون وينازعون في قضايا مسلَّمة عند جمهور الأمة، وعندما يُواجهون ويحاورون، يقولون: إن هذه المسائل خلافية، ليس فيها إجماع، اثبتوا لي أن جميع علماء الأمة ذهبت هذا المذهب، أو قالت بهذا القول! ! فإذا لم نستطع إثبات ذلك، جعل هذا الرجل عدم قدرتنا على تلبية طلبه ذريعة لمخالفته ما سار عليه جمهور علماء الأمة، كما هو حادث في هذه الأيام] (١).

• المطلب الثاني: أنواع الإجماع باعتبار قوته:

وهو بهذا الاعتبار على قسمين:

القسم الأول: الإجماع القطعي، وهو ما توفرت فيه الشروط التالية:

الشرط الأول: أن تتوفر فيه شروط الإجماع كافة، المتفق عليها والمختلف فيها.

الشرط الثاني: أن يصرح كل واحد من المجتهدين بحكم المسألة، أو أن يصرح البعض، ويعمل البعض الآخر على وفق القول المصرح به.

الشرط الثالث: أن ينقل إلينا هذا القول وهذا التصريح نقلا متواترا.


(١) "نظرة في الإجماع الأصولي" (ص ٩١). وينظر في هذا الكلام: "الإجماع في التفسير" (ص ٥٥ - ٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>