للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يكون الإجماع على أكثر ما قيل في المسألة، بأن يُنظر في أقوال العلماء أيها أكثر أو أعلى، فيكون الإجماع على عدم الزيادة على ذلك.

فالقول بأن دية اليهودي كدية المسلم، هذا أكثر ما قيل في المسألة، فلا يجوز بهذا أن يقال بأن ديته أكثر من دية المسلم بحال.

يقول ابن رشد في أقل مدة الطهر: "وقيل: سبعة عشر يومًا، وهو أقصى ما انعقد عليه الإجماع فيما أحسب" (١)، فهذه الحكاية للإجماع مبنية على الإجماع على أكثر ما قيل.

وقد أشرت إلى هذا المعنى؛ لأن كثيرًا من الإجماعات التي يحكيها العلماء هي من هذا القبيل، وأكثر من يتخذ هذا المنهج في حكاية الإجماع هو الإمام ابن حزم رحمه اللَّه في "مراتب الإجماع"، وستأتي مناقشة ذلك في الحديث عن منهجه إن شاء اللَّه تعالى (٢).

[المطلب الثالث: في ححم مخالفة الواحد والاثنين من العلماء في المسألة]

إذا أجمع العلماء على رأي واحدٍ في مسألةٍ ما، مع مخالفة عالم أو اثنين من العلماء، فإن العلماء اختلفوا في هذه المسألة، هل تعتبر إجماعية؛ أو أن هذا الخلاف ينقض الإجماع؟

وقبل أن أذكر الخلاف، فأحب أن أشير إلى مسألة مهمة في هذا الباب، وهي ما لو خالف أحدٌ الأئمةَ الأربعةَ؛ أصحابَ المذاهب، فهل يعتبر خلافه هذا داخلًا في مسألتنا؛ أو لا؟ وأهم من ذلك إذا خالف أحدهم في قولٍ مرويٍ عنه، أو وجه من الأوجه عنه.

في الحقيقة لم أجد من تحدث عن هذه المسألة بخصوصها، ولكن يبدو -واللَّه تعالى أعلم- أنها ليست من أمثلة مسألتنا؛ فالإمام المتبوع كأبي حنحفة أو الشافعي إذا خالف في مسألة ما، فإن خلافه هذا ليس محصورًا به فقط، بل تبعه عليه عدد من أهل العلم من أتباعه الحنفية أو الشافعية مثلًا، وهكذا لو كان ذلك برواية عنه فقط، ويلتحق بهم خلاف أبي يوسف ومحمد بن الحسن من أئمة الحنفية، كل ذلك لأن خلافهم


(١) "بداية المجتهد" (١/ ٨٥).
(٢) في المبحث الثامن من التمهيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>