للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: أدلة النافين لحجية الإجماع: وقد استدلوا بالكتاب والسنة والمعقول:

فمن الكتاب استدلوا بقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩].

وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى لم يذكر هنا الإجماع، وإنما ذكر -فقط- الكتاب والسنة، في الرجوع إليهما عند التنازع، ولولا أن الإجماع ليس حجة لما ترك ذكره.

ويمكن الرد على هذا بالقول: إن استدلالهم بالآية خارج عن محل النزاع، لأن اللَّه تعالى إنما شرط على المؤمنين في الرجوع إلى الكتاب والسنة عند حصول التنازع، ويشترط للإجماع الاتفاق لا التنازع.

- ومن السنة، استدلوا بما روي عن معاذ -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما بعثه إلى اليمن، قال: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب اللَّه. قال: فإن لم تجد في كتاب اللَّه؟ قال: فبسنة رسول اللَّه. قال: فإن لم تجد في سنة رسول اللَّه؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو. قال: فضرب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صدره وقال: الحمد للَّه الذي وفق رسول رسول اللَّه، لما يرضي رسول اللَّه (١).

قالوا: إن معاذا لم يذكر الإجماع، وقد أقره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدل على أن الإجماع لو كان حجة في التشريع لما أقره الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- على تركه.

ويرد عليه، أنه لم يكن للإجماع وجود في حياة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأن الإجماع لا ينعقد إلا بعد وفاته -صلى اللَّه عليه وسلم-.

كما استدلوا -كذلك- بالمعقول، إلا أن جميع أدلتهم مردودة، ولا تؤثر


(١) أخرجه أحمد (٥/ ٢٣٠)، وأبو داود في الأقضية: باب اجتهاد الرأي في القضاء، رقم (٣٥٩٢)، والترمذي في الأحكام، باب ما جاء في القاضي كيف يقضي، رقم (١٣٢٧)، وضعفه الترمذي، والبخاري في التاريخ الكبير (٢/ ٢٧٧). ينظر: التلخيص الحبير (٤/ ٤٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>