للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أحصيت مسألة ذكر فيها ستة وأربعين قيدًا (١)، كل قيد منها يشكّل مسألة مستقلة، وأكثر ما يقال عن هذه الاتفاقات التي يحكيها رحمه اللَّه أنها نوع من الإجماع على أقل ما قيل في المسألة، ولكن دون الوصف الثاني لهذا النوع من الإجماع، وهو نفي الزيادة، ومن هذا الوجه تختلف عن الإجماع على أقل ما قيل، الذي يبحثه الأصوليون.

وفي رسالتي هذه لم أعتمد هذه الاتفاقات، حيث إنها في الحقيقة حكاية للخلاف في الاستثناءات لا للإجماع.

والإمام ابن حزم رحمه اللَّه من أكثر العلماء اطلاعًا على الخلاف، ولذا فإن إجماعاته التي بلفظ الإجماع قليلًا ما تخطئ، وهذا يدل على تفريقه بين اللفظين، ولذلك يقول: "وليعلم القارئ لكلامنا أن بين قولنا: لم يجمعوا، وبين قولنا: لم يتفقوا فرقًا عظيمًا" (٢)، إلا أنني وجدته في مسألة استخدم العبارتين فيها (٣).

ومما يُذكر هنا أنه سبقت الإشارة إلى أن ابن حزم لا يعتبر قول المبتدعة ناقضًا للإجماع في حال مخالفتهم (٤).

[٦ - الإمام ابن عبد البر (٤٦٣ هـ) من خلال كتابه "الاستذكار"]

الإمام ابن عبد البر من العلماء الكبار، العارفين بالخلاف والاجماع، وهو ممن اشتهر عنه حكاية الإجماع، وكثيرًا ما ينقل العلماء عنه حكاياته للإجماع.

ومما تميز به ابن عبد البر أن له عبارات خاصة به، واختيارات أصولية بنى عليها منهجه في ألفاظه وحكاياته للإجماع، فهو كثيرًا ما يستخدم لفظ (اجتمع العلماء) أو (مجتمع عليه)، وهي لفظة لا تدل على الإجماع الأصولي على الأظهر، فهي تدل على قول الجمهور.

فقد عبر بعدها في موضعٍ بلفظ الإجماع في نفس المسألة، مما يدل على أنهما


(١) "مراتب الإجماع" (٤٠)، ومن الأخطاء التي وقع فيها الأستاذ سعدي أبو جيب أنه يعنون لكل قيد فيها بأنه حُكي الإجماع فيها! وانظر ذلك في الحديث عن الدراسات السابقة.
(٢) "مراتب الإجماع" لابن حزم (٢٧٤).
(٣) مسألة: (مشروعية التيمم للمريض العادم للماء).
(٤) في مطلب حكم مخالفة المبتدعة، ونقلت عنه نصًّا في ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>