للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الرابع: في حكم مخالفة الظاهرية]

اختلف العلماء في خلاف الظاهرية، هل يقدح في صحة الإجماع، وينفي حجيته؛ أو لا؟

• القول الأول: أن خلاف الظاهرية لا يعتد به، ولا ينقض الإجماع.

يقول أبو بكر الرازي رحمه اللَّه عن الظاهرية: "وأمثال هؤلاء لا يعتد بخلافهم، ولا يؤنس بوفاقهم" (١).

ويقول ابن عبد البر: "فما أرى هذا الظاهري إلا قد خرج عن جماعة العلماء من السلف والخلف، وخالف جميع فرق الفقهاء، وشذ عنهم، ولا يكون إمامًا في العلم من أخذ بالشاذ من العلم" (٢).

واختار هذا القول الإمام النووي رحمه اللَّه، وصرح به في عدة مواضع من كتبه، يقول في موضعٍ منها: "ومخالفة داود لا تقدح في الإجماع عند الجمهور، واللَّه أعلم" (٣).

وقد أنكر عليه الإمام الشوكاني رحمه اللَّه إنكارًا شديد اللهجة، لأجل هذا الأمر، فقال: "وعدم الاعتداد بخلاف داود؛ مع علمه وورعه، وأخذ جماعة من الأئمة الأكابر بمذهبه، من التعصبات التي لا مستند لها إلا مجرد الهوى والعصبية، وقد كثر هذا الجنس في أهل المذاهب، وما أدري ما هو البرهان الذي قام لهؤلاء المحققين حتى أخرجوه من دائرة علماء المسلمين، فإن كان لما وقع منه من المقالات المستبعدة فهي بالنسبة إلى مقالات غيره المؤسسة على محض الرأي المضادة لصريح الرواية في حيز القلة المتبالغة، فإن التعويل على الرأي وعدم الاعتناء بعلم الأدلة قد أفضى بقوم إلى التمذهب بمذاهب لا يوافق الشريعة منها إلا القليل النادر، وأما داود؛ فما في مذهبه من البدع التي أوقعه فيها تمسكه بالظاهر وحملوه عليه هي في غاية الندرة" (٤).

وهو اختيار الحافظ العراقي أيضًا، يقول رحمه اللَّه: "إن أهل الظاهر ليسوا من العلماء،


(١) "الفصول في الأصول" (٣/ ٢٨١)، ونقله عنه في "البحر المحيط" (٦/ ٤٢٤)، وانظر: "كشف الأسرار" (٣/ ٢٩٥) فقد ذكر كلامًا نحوه عن شمس الأئمة السرخسي في خلاف الظاهرية.
(٢) "الاستذكار" (١/ ٨٢).
(٣) "المجموع" (٢/ ١٥٦)، وانظر: "شرح مسلم" (٣/ ١٤٢).
(٤) "نيل الأوطار" (١/ ١٣٤)، وانظر: "إرشاد الفحول" (١/ ٣١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>