للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتحدث بصيغة التأنيث، والمسك مذكّر، وهذا هو الأظهر، وهو الذي يتوافق مع سائر كلام الحنابلة (١)، ولكن يشكل عليه الآتي.

الثاني: أن قولَه راجعٌ إلى المسك، كما نقل المرداوي، ويدل له أنه قال: "لأنه جزء"، ولم يقل: "لأنها"، والمرداوي إمام في المذهب ويبعد أن يفوت عليه مثل هذا.

ولكن الأظهر أن المرداوي وهم في ذلك، لأن هذا الاحتمال لم يذكره غيره، ولم يُذكر له قائل، واللَّه تعالى أعلم.

هذا ويمكن أن يستدل لهذا القول: بأن أصله دم، والدم نجس، وهو جزء منفصل من حيوان حي؛ فهو كالميتة.

النتيجة: أن الإجماع غير متحقق، فمما سبق؛ يتبين أن الخلاف في المسألة موجود، وإن كان خلافًا ضعيفًا؛ فالإجماع لا يتحقق مع وجود المخالف، أما ما ذكره ابن حجر من أن الخلاف انقرض، وأن الإجماع استقر بعده؛ فالجواب عليه من وجهين:

الأول: أن هذه مسألة أصولية مشهورة، وهي: ما إذا اختلف علماء عصر متقدم، في مسألة ما، ثم اتفق علماء عصر متأخر، في نفس المسألة؛ فهل يعتبر اتفاقهم إجماعًا شرعيًّا أو لا؟

اختلف الأصوليون في هذه المسألة على قولين؛ بالاعتبار، وعدمه (٢).

ويكفي أنها مسألة خلافية، فمن العلماء من لا ينظر إلى المسألة من الأصل، ولا يعتبره إجماعًا، فلا يعتد بإجماع كهذا، ما دام أنه يوجد من لا يعتبره، ولكن يمكن أن يكون حجة أو دليلًا لمن يرى ذلك.

الثاني: من خلال ما سبق عرضه، فيما ورد من خلافٍ في المسألة؛ يتبين أن الخلاف انتشر، والقائلون به ليسوا قلةً، وهذا يكفي في خرق الإجماع، واللَّه تعالى أعلم.


(١) انظر: "شرح المنتهى" (١/ ٣٢)، (١/ ١٠٩)، و"كشاف القناع" (١/ ٥٧)، و"شرح غاية المنتهى" (١/ ٢٣٧).
(٢) انظر: "العدة" لأبي يعلى (٤/ ١١٠٥)، و"الإحكام" للآمدي (١/ ٢٧٥)، و"المهذب" (٢/ ٩٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>