للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الطبري: "لم يكن من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا يسيرًا، فإنهم كانوا ينهون عن الفساد في الأرض، فنجاهم اللَّه من عذابه حين أخذ من كان مقيمًا على الكفر باللَّه عذابه" (١).

ولما قالت زينَبُ بِنْتُ جَحْشٍ -رضي اللَّه عنها-: يا رَسُولَ اللَّه، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ ! قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعم، إذا كثُرَ الخَبَثُ" (٢). قال ابن حجر العسقلاني: "فيكون إهلاك الجميع عند ظهور المنكر والإعلان بالمعاصي" (٣).

وتارك الاحتساب ملعون على لسان أنبياء اللَّه ورسله عليهم الصلاة والسلام، يدل لذلك قول اللَّه -تعالى-: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩)} (٤).

قال الجصاص: "قيل: إن فائدة لعنهم على لسان الأنبياء: إعلامهم الأياس من المغفرة مع الإقامة على الكفر والمعاصي؛ لأن دعاء الأنبياء - عليهم السلام - باللعن والعقوبة مستجاب" (٥).

وهذا يدل على أن من ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واستغنى عن هذه الوسيلة العظيمة من وسائل الدعوة إلى اللَّه سبحانه؛ استحق أن يكون ملعونًا مطرودًا من رحمة اللَّه.

قال الغزالي: "وهذا غاية التشديد؛ إذ علل استحقاقهم للعنة بتركهم النهي عن المنكر" (٦).


(١) تفسير الطبري (١٢/ ١٣٨).
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الأنبياء، باب: قصة يأجوج ومأجوج (٤/ ١٣٨) رقم (٣٣٤٦)، ومسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب: اقتراب الفتن (٤/ ٢٢٠٧) رقم (٢٨٨٠).
(٣) فتح الباري (١٣/ ٦٠).
(٤) سورة المائدة، الآيتان: (٧٨، ٧٩).
(٥) أحكام القرآن للجصاص (٤/ ١٠٨).
(٦) إحياء علوم الدين (٢/ ٣٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>