للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهناك قسم قد يتوهم أن يكون نوعًا رابعًا لإجماع أهل المدينة، ولم يذكره ابن القيم رحمه اللَّه، وهو ما لو كان عمل أهل المدينة موافقًا لما كان عليه العمل في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعرفنا ذلك بطريق صحيح، فهو بهذا يرتفع ليصبح سنة تقريرية للمصطفى عليه الصلاة والسلام (١).

فتبين أن الخلاف فيما إذا أجمع أهل المدينة على قولٍ خالفهم فيه آخرون.

والصحيح -واللَّه أعلم- هو قول الجمهور، فيما اختلفوا فيه مع ما نسب إلى المالكية؛ إذ لا دليل على ما ادّعوه، بل هو قول المحققين من علماء المالكية أيضًا.

• أدلة الجمهور: أولًا: قوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: الآية ١١٥].

• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى توعد من اتبع غير سبيل المؤمنين، وأطلق المؤمنين، بمعنى كل المؤمنين، وأهل المدينة ليسوا كل المؤمنين، فلا يوجد إجماع إذًا (٢).

ثانيا: أن من شروط الإجماع التي تجعله حجة شرعية غير متوفرة في إجماع أهل المدينة، فالاتفاق بين علماء الأمة لم يحصل، لمخالفة علماء الأمصار (٣).

• دليل المالكية: أن أهل المدينة أقوى اجتهادًا من غيرهم؛ لمشاهدتهم أحوال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومعرفتهم بالوحي، وقربهم منه (٤).

• وجوابه: أن المدينة لو كانت جامعة للمجتهدين من الأمة لكان إجماعهم صحيحًا، وليست كذلك، وقول بعض الأمة ليس حجة على الآخرين (٥).

ومن علماء المالكية من قال: إنما أراد الإمام مالك بذلك ترجيح روايتهم على رواية غيرهم.

ومنهم من قال: أراد به أن يكون إجماعهم أولى، ولا تمتنع مخالفتهم.

ومنهم من قال: أراد بذلك أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (٦).


(١) انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية.
(٢) "الواضح" (٥/ ١٨٤).
(٣) "الوصول إلى الأصول" (٢/ ١٢٢)، "المستصفى" (١٤٨).
(٤) "الوصول إلى الأصول" (٢/ ١٢٣)، "الواضح" (٥/ ١٨٦).
(٥) "الوصول إلى الأصول" (٢/ ١٢٣)، "الواضح" (٥/ ١٨٦).
(٦) "الإحكام" للآمدي (١/ ٢٤٣)، "الواضح" (٥/ ١٨٦)، وانظر: "شرح مختصر الروضة" للطوفي =

<<  <  ج: ص:  >  >>