للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبارات السابقة، ولكن النفي يكون مقيدًا بنفي العلم بالخلاف فقط، مثل: (بلا خلاف نعلمه)؛ (لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء)، وهكذا.

وهذه أضعف من النوعين السابقين من عبارات نقل الإجماع، وهي أيضًا متفاوتة في القوة، فالجزم بنفي الخلاف أقوى بلا شك في نفي العلم بالخلاف؛ إذ إن نفي العلم قد يعني أنه غير متأكد من عدم وجود المخالف، وقد يكون متشككًا من ذلك.

ثم إن تقييد نفي الخلاف بأنه بين العلماء أو الفقهاء أو الصحابة أو نحو ذلك أقوى وأصرح مما لو لم يقيده؛ إذ قد يفهم منه نفي الخلاف بين علماء مذهبه الفقهي الخاص.

هذا وقد حصل خلاف بين أهل العلم في عبارة نفي الخلاف؛ هل تعتبر إجماعًا أو لا؟ فقيل: إن نفي الخلاف يعد إجماعًا.

وهو ما يظهر من كلام ابن عبد البر، حيث استخدم عبارة نفي الخلاف، ثم استخدم لفظ الإجماع في نفس المسألة وفي نفس السياق، حيث قال: "ولم يختلف العلماء فيما عدا المني من كل ما يخرج من الذكر؛ أنه نجس، وفي إجماعهم على ذلك ما يدل على نجاسة المني المختلف فيه" (١).

• وقيل: إن نفي الخلاف لا يعد إجماعًا.

• وقيل بالتفصيل في ذلك؛ فإن كان العالم ممن يعرف الخلاف والإجماع ويحفظه؛ فإنه يُقبل منه، وإن لم يكن هذا العالم كذلك؛ فلا يقبل منه (٢).

يقول الإمام أحمد رادًّا على مدعٍ للإجماع في إحدى المسائل: "هذا كذب، ما عِلْمه أن الناس مجمعون، ولكن يقول: لا أعلم فيه اختلافًا، فهو أحسن من قوله: إجماع الناس" (٣).

وعلّق عليه القاضي بقوله: "قال هذا على طريق الورع، نحو أن يكون هناك خلاف لم يبلغه، أو قال هذا في حق من ليس له معرفة بخلاف السلف" (٤).

وقد التزم بهذا الورع عدد من العلماء، منهم ابن قدامة رحمه اللَّه، فهو قليلًا ما يعبر


(١) "الاستذكار" (١/ ٢٨٦).
(٢) "البحر المحيط" (٦/ ٤٨٨).
(٣) "العدة" للقاضي (٤/ ١٠٦٠).
(٤) "العدة" للقاضي (٤/ ١٠٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>