(٢) وثمة تنبيهان على هذه المسألة: الأول: ليس مراد ابن حزم أن من خالف شيء من ذلك بأن يكون أتبع مدبرهم، أو أجهز على جريحهم، أو قاتل مع إمام غير عادل، إلى غير ذلك، أن من فعل شيئًا من ذلك فقد خالف ما يجب عليه، وإنما مراده أن من تقيد بهذه الشروط فالإجماع قائم على صحة فعله، فإن خالف شيئًا من ذلك فإن المسألة حينئذ محل خلاف بين أهل العلم، في صواب فعله أو خطئه، وقد حكى أبو بكر الجصاص أنه لا خلاف في عدم قتل مدبر البغاة، ولا الإجهاز على جريحهم، وما ذكره الجصاص من عدم المخالف منازَع فيه، ولذا ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن البغاة إن كانوا هاربين إلى فئة يلجئون إليها، أو معقل يجتمعون فيه ليتداركوا أمرهم ويستعدوا للحرب أخرى، فإنه يقتل مدبرهم. أما إن كانوا هاربين إلى غير فئة فإنه لا يتبع مدبرهم. وهو مروي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، وإليه ذهب الحنفية، وابن حزم، وهو مذهب الهادوية، وبعض الشافعية، ووجه في مذهب أحمد. انظر: المحلى (١١/ ٣٣٧ - ٣٣٨)، أحكام القرآن للجصاص (٣/ ٦٠٠)، فتح القدير (٦/ ١٠٣ - ١٠٤)، المغني (٩/ ٩ - ١٠)، مجموع الفتاوى (٣/ ٥٣٨)، نيل الأوطار (٧/ ٢٠١).