للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (١).

• وجه الدلالة من الآية من وجهين:

الأول: أن اللَّه تبارك وتعالى عَدَّلهم بقبول شهادتهم، ولما كان قول الشاهد حجة؛ إذ لا معنى لقبول شهادته إلا كون قوله حجة يجب العمل بمقتضاه، فيدل هذا على أن إجماع الأمة حجة يجب العمل بمقتضاه وهو المطلوب.

الثاني: أنه تعالى جعل شهادتهم حجة على الأمم السابقة في الآخرة، كما جعل شهادة الرسول حجة علينا حينئذ، فيكون قولهم في الأحكام في الدنيا حجة أيضًا، قياسا على قولهم في الآخرة؛ لأنه لا معنى لكون الإجماع حجة سوى كون أقوالهم حجة على غيرهم (٢).

الدليل الثالث: قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (٣).

• وجه الدلالة من وجهين:

الأول: أن الألف واللام إذا دخلت على اسم جنس دل على استغراق العموم، وعلى ذلك تكون الآية إخبارا من اللَّه عن أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر، وصِدْق خبر اللَّه يستلزم أنهم إذا نهوا عن شيء علمنا أنه منكر، وإذا أمروا بشيء علمنا أنه معروف، فكان نهيهم وأمرهم حجة يجب اتباعه.

الثاني: أن النهاية في الخيرية الموصوفة بها الأمة تقتضي أن يكون ما أجمعوا عليه حقا؛ لأنه لو لم يكن حقا كان ضلالا؛ إذ ليس بعد الحق إلا الضلال، والحق


= لأبي الخطاب (٣/ ٢٢٨)، "مجموع الفتاوى" (١٩/ ١٧٨)، "الإجماع في التفسير" (ص ٤٢). أول من ذكر هذا الدليل هو الإمام الشافعي في قصة جعلته يقرأ القرآن ثلاث مرات في ثلاث ليال متتالية، فسبحان من ألهمه هذا! ، ثم تتابع العلماء على نقله عنه.
(١) البقرة: الآية (١٤٣).
(٢) "الإجماع في التفسير" (ص ٤٣). وينظر: "العدة" لأبي يعلى (٤/ ١٠٧٠)، "أصول السرخسي" (١/ ٢٩٧)، "الإحكام" للآمدي (١/ ٢١١)، "حجية الإجماع" (ص ٩٧).
(٣) آل عمران: الآية (١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>