للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها:

الدليل الأول: قصة ذي اليدين (١) لما قال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول اللَّه؟ فنظر رسول اللَّه إلى أبي بكر وعمر -رضي اللَّه عنهما- وقال: "أحقٌّ ما يقوله ذو اليدين؟ " (٢).

• وجه الدلالة: أن السكوت لو كان دليلا لاكتفى به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، لكنه سأل أبا بكر وعمر، فدل على أن السكوت لا يدل على الرضا.

وأجيب عنه: أن الصحابة إنما سكتوا اكتفاء بما قاله ذو اليدين؛ لكونهم مثله في عدم العلم (٣).

الدليل الثاني: أن مذهب المجتهد يعلم بقوله الصريح الذي لا يتطرق إليه أي احتمال، أما سكوت الساكت فإنه يحتمل أنه سكت؛ لأنه لم يجتهد في المسألة، أو اجتهد ولكنه لم يتوصل فيها إلى حكم معين، أو وصل إلى حكم معين لكنه لم يعلنه تقية ومخافة، أو يسكت لعارض طرأ عليه لم يظهره لنا، وغيرها من الاحتمالات وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال، ولا ينسب له كلام في هذه الحالة ما لم يصرح به، ويعلنه للناس.

وأجيب عن هذا الدليل: أنه إذا سكت المجتهد بعد أن يعلن المجتهد رأيه مدة يستطيع من خلالها التفكر في المسألة؛ فإن سكوته يدل على رضاه بذلك الرأي المعلن؛ فيكون حجة وإجماعا.

أما هذه الاحتمالات فهي احتمالات عقلية، وليس حقيقية، فليس من عادة العلماء السكوت على قول الحق خشية من سطوة أحد من الناس، وليس هذا


(١) ذو اليدين: هو الخرباق السلمي، عاش حتى روى عنه المتأخرون من التابعين. "الاستيعاب" (٢/ ٤٥٧)، "الإصابة" (٢/ ٤٢٠)، "ألقاب الصحابة والتابعين في المسندين الصحيحين" (ص ٥٥).
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره (٤٦٨)، (ص ١١٣)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له (٥٧٣)، (١/ ٣٣٧).
(٣) ينظر في الأدلة عدا المراجع السابقة: "المهذب في أصول الفقه المقارن" (٢/ ٩٣٥ - ٩٣٦)، "حجية الإجماع السكوتي" (ص ٢٥٧ - ٢٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>