للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعوَّل عليه فيما بعد، كما وقع في قتال الردة (١).

القول الثاني: أن مخالفة الواحد والاثنين لا تؤثر في الإجماع. وهذا قول ابن جرير الطبري، وأبي بكر الجصاص (٢)، وبعض المعتزلة (٣)، وقد أومأ إليه الإمام أحمد (٤).

واستدلوا بعدة أدلة، منها:

الدليل الأول: الوقوع: فإنه لما اتفق أكثر الأمة على مبايعة أبي بكر -رضي اللَّه عنه- بالخلافة، انعقد الإجماع على ذلك، ومن المعلوم أن بعض الصحابة خالف في ذلك، فلو لم يكن اتفاق الأكثر إجماعا لما كانت خلافة أبي بكر ثابتة بالإجماع.

وأجيب عن هذا الدليل: بعدم التسليم بما ذكر، حيث إن خلافة أبي بكر وقعت باتفاق الصحابة، فبعضهم نطق بالمبايعة، وبعضهم لم ينكر ذلك، وما نُقل عن تأخر بعضهم إنما كان لعذر خاص، ثم نقل عنه المبايعة صراحة.

الدليل الثاني: أنه لو اعتبرت مخالفة الواحد أو الاثنين لما انعقد الإجماع أصلا؛ لأنه ما من إجماع إلا ويمكن مخالفة الواحد والاثنين فيه (٥).

الترجيح: ويظهر -واللَّه أعلم- أن الراجح هو القول الأول؛ وذلك لقوة أدلته،


(١) ينظر في الأدلة عدا مراجع المسألة: "المهذب في أصول الفقه المقارن" (٢/ ٨٩٦).
(٢) أحمد بن علي الرازي أبو بكر الجصاص، فقيه أصولي مفسر، انتهت إليه رئاسة الحنفية في عصره، سكن بغداد، من آثاره: "أحكام القرآن"، "شرح على الجامع الكبير"، و"الجامع الصغير". توفي عام (٣٧٠ هـ). "الطبقات السنية" (١/ ٤١٢)، "الجواهر المضية" (١/ ٢٢٣).
(٣) المعتزلة: هي إحدى الفرق الضالة، سميت بذلك لما سأل رجل الحسن عن مرتكب الكبيرة، فقال واصل بن عطاء: ليس بمؤمن ولا كافر. ثم قام واعتزل مجلس الحسن، فقال الحسن: اعتزل عنا واصل. اتفقوا على أصول خمسة يقولون بها: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قوي أمرهم في عهد المأمون والمعتصم والواثق. "مقالات الإسلاميين" (١/ ٢٣٥)، "الفَرق بين الفِرق" (ص ٩٣).
(٤) "البرهان" (١/ ٧٢١)، "أصول السرخسي" (١/ ٣١٦)، "العدة" لأبي يعلى (٤/ ١١١٩)، "روضة الناظر" (٢/ ٤٧٤).
(٥) ينظر في الأدلة عدا المراجع السابقة: "المهذب في أصول الفقه" (٢/ ٨٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>