للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعلهم يستدلون: بأن الأصل في البيوع أنها على الإباحة، والملك للسلعة يتحقق بالعقد الذي هو قائم على الإيجاب والقبول، فإذا تحقق ذلك فله حق التصرف بها كيفما شاء.

أما قول عثمان: فقد جزم بشذوذه جماعة من العلماء، منهم: ابن عبد البر، والنووي، وابن القيم (١)، ولعله لم يبلغه الخبر في هذا، أو لم يصح ذلك عنه.

أما قول عطاء فلم أجد من نسبه إليه إلا ابن حزم، وهذا يشهد لضعف هذه النسبة إليه، خاصة وأن عطاء أشهر من عثمان، فكيف يحكي عامة العلماء الخلاف عن عثمان دونه، وينفرد ابن حزم بنسبته إليه! ! ويضاف إلى هذا أن عطاء هو راوي الحديث عن حكيم بن حزام (٢)، والذي جاء فيه النهي صريحا في المسألة، ثم إنه رَوى ابن أبي شيبة في مصنفه عن عطاء ما يخالف ما ذكر ابن حزم (٣)، ولو ثبت ما ذكر ابن حزم لحُكم بشذوذه.

النتيجة: ثبوت الإجماع في النهي عن بيع الطعام قبل قبضه؛ وذلك لشذوذ الأقوال المخالفة، أو عدم ثبوتها. أما ما ذكره الحنفية -الكاساني والعيني وسبط ابن الجوزي- من حكاية الإجماع على المنقول عموما فهو غير صحيح؛ لأن من العلماء من خالف فقال: إن المحرم المفسد للبيع هو بيع الطعام دون غيره من الأشياء قبل قبضه، وما عداه فيبقى على الجواز. قال به المالكية وهو رواية عند الحنابلة (٤). واختار هذا القول ابن المنذر (٥).


= "المغني" (٦/ ١٨٨ - ١٨٩)، "تهذيب السنن" (٥/ ١٣١)، "المحلى" (٧/ ٤٧٦). تنبيه: الذي نقله عن عطاء ابن حزم، ولم ينقل قول عثمان.
(١) المصادر السابقة.
(٢) أخرجه النسائي (٤٦٠٣)، (٧/ ٢٨٦) وابن حبان (٤٩٨٥)، (١١/ ٣٦١) عن حكيم بن حزام أنه قال: اشتريت طعاما من طعام الصدقة، فاربحت فيه قبل أن أقبضه، فاردت بيعه، فسألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تبعه حتى تقبضه".
(٣) "مصنف ابن أبي شيبة" (٥/ ١٥٦).
(٤) "الفواكه الدواني" (٢/ ٧٨)، "الشرح الكبير" لابن قدامة (٣/ ١٥١ - ١٥٢)، "منح الجليل" (٥/ ٢٤٦)، "الإنصاف" (٤/ ٤٦٦).
(٥) "الإقناع" لابن المنذر (١/ ٢٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>