للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦].

• وجه الدلالة: قوله: {إِلَى الْمَرَافِقِ}، و"إلى" هنا تحتمل معنيين: إما أنها بمعنى مع، وهي بهذا تدل بالمطابقة على المسألة، وإما أنها بمعنى الغاية، فالغاية تدخل إذا كان التحديد شاملًا للحد والمحدود؛ كقولك: قطعت أصابعه من الخنصر إلى المسبحة، أو بعتك هذه الأشجار من هذه إلى هذه، فإن الأصبعين والشجرتين داخلان في القطع والبيع بلا شك؛ لشمول اللفظ (١).

٢ - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، "أنه توضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم غسل يده اليسرى حتى أشرع في العضد. . .، ثم قال: هكذا رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتوضأ" (٢).

• وجه الدلالة: أن أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- غسل اليد حتى شرع في العضد، مما يعني أنه غسل المرفقين وزيادة، وقد قال: "هكذا رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يتوضأ"، وفعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- له يدل على السنة المأمور بفعلها في الوضوء (٣)، واللَّه تعالى أعلم.

• الخلاف في المسألة: خالف زفرُ من الحنفية في هذه المسألة (٤)، وهي رواية عن مالك أنكر صحتها بعض المالكية (٥)، ورواية عن أحمد (٦)، وهو قول أبي بكر بن داود الظاهري (٧)، فقالوا بأن المرفقين لا يدخلان في غسل اليدين.

ونقد ابن تيمية هذا الإجماع بخلاف زفر، وبعض المالكية، وداود (٨).

واستدلوا بأنه غاية في كتاب اللَّه تعالى، والغاية حد، فلا يدخل تحت المحدود، واستدلالًا بقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] (٩)، فإن الليل لا


(١) انظر: "المجموع" (١/ ٤٢٠)، وفي الاستدلال بالآية كلام طويل، آثرت عدم الخوض فيه خشية الإطالة.
(٢) مسلم كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، (ح ٢٤٦)، (١/ ٢١٦).
(٣) "مغني المحتاج" (١/ ١٧٤)، وانظر: (١/ ١٧٥).
(٤) "المبسوط" (١/ ٦)، و"بدائع الصنائع" (١/ ٤).
(٥) ولديهم قول آخر غير مشهور، ولكنه في معنى السابق، وهو أنه يدخل احتياطًا، "المنتقى شرح الموطأ" (١/ ٣٦)، و"مواهب الجليل" (١/ ١٩١).
(٦) "الفروع" (١/ ١٤٧)، و"الإنصاف" (١/ ١٥٧).
(٧) "المجموع" (١/ ٤١٩)، و"نيل الأوطار" (١/ ١٨٠).
(٨) "نقد مراتب الإجماع" (٢٨٨).
(٩) "المبسوط" (١/ ٦)، و"بدائع الصنائع" (١/ ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>