للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أنه إذا أجمع المؤمنون على أمر في قضية فمن شاقهم فقد خالفهم واتبع غير سبيلهم، وبذلك كان عرضة للوعيد المذكور في الآية (١).

وقد نوقش هذا الاستدلال: بأن المراد من السبيل في قول اللَّه -تعالى-: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} ليس هو الإجماع، بل يحتمل أن يكون المراد سبيلهم وطريقهم في متابعة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو في مناصرته، أو في الاقتداء به، وإذا وجد الاحتمال في الدليل سقط به الاستدلال (٢).

وأجيب عن هذه المناقشة: بأنه لو كان المراد من ما ذكره المعترضون، للزم أن تكون مخالفة سبيلهم هي عين المشاقة للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذلك يستلزم التكرار في الآية الكريمة، مع أن العطف يقتضي المغايرة. وإذا كان كلام العقلاء يصان عن التكرار بدون فائدة، فمن باب أولى كلام اللَّه تعالى (٣).

فإن قيل: إن الوعيد في الآية إنما في مخالفة سبيل المؤمنين مع مشاقة الرسول.

قلنا: هما متلازمان، وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون فإنه يكون منصوصًا عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، فالمخالف لهم مخالف للرسول، كما أن المخالف للرسول مخالف للَّه، ولكن هذا يقتضي أن كل ما أجمع عليه قد بيَّنه الرسول، وهذا هو الصواب (٤).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه-: "لا يوجد قط مسألة مجمع عليها


(١) البرهان في أصول الفقه لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد اللَّه بن يوسف الجويني، دار الكتب العلمية، بيروت (١/ ٤٣٥).
(٢) ينظر: الإحكام للآمدي (١/ ٢٨٦)، وإرشاد الفحول (ص ٧٤)، وفواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت (٢/ ٢١٤).
(٣) ينظر: شرح القاضي عضد الملة لمختصر المنتهى الأصولي للإمام ابن الحاجب المالكي، المطبعة الكبرى الأميرية، طبعة ١٣١٧ هـ (٢/ ٢٠)، والإحكام للآمدي (١/ ٢٨٧)، وإرشاد الفحول (ص ٧٤).
(٤) يُنظر: معارج الوصول ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مكتبة ابن تيمية، الطبعة الثانية (١٩/ ١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>