وحصول البلوغ بالإنبات هو مذهب المالكية، والحنابلة، لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما حكَّم سعد بن معاذ -رضي اللَّه عنه- في بني قريظة، فحكم بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم، وأمر أن يكشف عن مؤتزرهم، فهو من المقاتلة، ومن لم ينبت فهو من الذرية، كما أخرج الخمسة من حديث عطية القرظي -رضي اللَّه عنه- قال: "كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون، فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت"، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم، كما نقله عنهم ابن حجر في تلخيص الحبير (٣/ ٩٥). وذهب الحنفية وهو رواية عن مالك إلى أن الإنبات ليس علامة للبلوغ، سواء كان في حق اللَّه تعالى أو في حق العباد. وذهب الشافعية إلى أن الإنبات علامة للبلوغ في ولد الكافر، ومن جهل إسلامه، دون المسلم والمسلمة. وذهب بعض المالكية كابن رشد الحفيد إلى أن الإنبات علامة فيما يتعلق بحقوق الآدميين من قذف وقطع وقتل، وأما فيما يتعلق بحقوق اللَّه تعالى، كحد الزنا والسرق فلا. ويتحصل من هذا الخلاف في كون الإنبات علامة للبلوغ أن ما ذكره الصنعاني في "سبل السلام" (٢/ ٨٢) حيث قال: "يحصل بالإنبات البلوغ، فتجري على من أنبت أحكام المكلفين، ولعله إجماع"، ليس بمتحقق على عمومه. رابعها: الحيض، وهذه العلامة خاصة بالمرأة دون الرجل، ولا خلاف في اعتبارها، كما حكاه القرطبي في تفسيره (٥/ ٣٥). فهذه أشهر علامات البلوغ وثمة صفات أخرى اعتبرها المالكية كنتن الإبط، وفرق الأرنبة، وغلظ الصوت، كما في "تفسير القرطبي" (٥/ ٣٥). واعتبر الشافعية من علامات البلوغ نبات الشعر الخشن للشارب، ونتوء طرف الحلقوم، كما في "الأم" (٦/ ١٩٥ - ١٩٦). وكل هذه الاعتبارات محل خلاف بين أهل العلم، وذكر بعض أهل العلم أن من العلامات الحمل في حق المرأة، والإحبال في حق الرجل، وهذه العلامة وإن كانت معتبرة شرعا بلا خلاف كما حكاه القرطبي لكن يمكن أن تدخل في علامة الإنزال، أو الاحتلام، إذ لا حمل ولا إحبال بلا إنزال، واللَّه تعالى أعلم.