للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>


= -تبارك وتعالى- فلا يعمل فيها العبد، ولا صلحه، ولا الإبراء عنها".
لكن ذكر بعض الحنفية أن ثمة رواية بأن المحارب إن قتل ولم يأخذ المال فإنه يقتل قصاصًا، وعلى هذه الرواية فإن للأولياء العفو، حيث جاء في الفتاوى الخانية قوله: "وإن قتل ولم يأخذ المال يُقتل قصاصًا، ولا يُفعل به غير ذلك".
ولعل هذه الرواية هي التي جعلت ابن حزم ينسب القول للحنفية بأن المحارب لولي الدم العفو عنه، إلا أن الحنفية قد تعقبوا هذه الرواية فقال ابن الهمام في فتح القدير (٥/ ٤٢٣): "في فتاوى قاضي خان: "وإن قتل ولم يأخذ المال يقتل قصاصًا"، وهذا يخالف ما ذكرنا، إلا أن يكون معناه إذا أمكنه أخذ المال فلم يأخذ شيئًا ومال إلى القتل".
أما ابن عابدين فلم يرتض تأويل ابن الهمام، حيث قال في "رد المحتار" (٤/ ١١٤) بعد أن ساق قول ابن الهمام: "لكن ما أَوَّل به عبارة الخانية بعيد، والأقرب تأويلها بأن المراد بقوله "ولم يأخذ المال": أي النصاب، بل أخذ ما دونه"، ويهذا يتبيَّن أن مذهب الحنفية أن المحارب إن قَتل فإنه يقتل وليس لأولياء الدم العفو.
ثانيًا: مذهب الشافعية: أما مذهب الشافعي فقد نص عليه في "الأم" على ما قاله ابن حزم، حيث قال في "الأم" (٧/ ٣٤٩): "كل من قتل في حرابة، أو صحراء، أو مصر، أو مكابرة، أو قتل غيلة، على مال أو غيره، أو قتل نائرة، فالقصاص والعفو إلى الأولياء، وليس إلى السلطان من ذلك شيء إلا الأدب إذا عفا الولي".
لكن ثمة نصوص أخرى عن الشافعي تدل على أن عفو الأولياء غير معتبر بعد ثبوت حد القتل بالحرابة حيث قال في "الأم" (٦/ ١٦٥) في معرض كلامه على المحاربين: "إن أراد أولياء المقتولين عفو دماء من قتلوا لم يكن ذلك يحقن دماء من عفوا عنه، وكان على الإمام أن يقتلهم إذا بلغت جنايتهم القتل".
وقال في موضع آخر: "ومن عفا الجراح كان له، ومن عفا النفس لم يحقن بذلك دمه، وكان على الإمام قتله إذا بلغت جنايته القتل" الأم (٨/ ٣٧٢).
وقال في موضع آخر: "وليس لأولياء الذين قتلهم قطاع الطريق عفو؛ لأن اللَّه حدهم بالقتل، أو بالقتل والصلب، أو القطع ولم يذكر الأولياء، كما ذكرهم في القصاص في الآيتين فقال: {. . . وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (٣٣)} [الإسراء: ٣٣]، وقال في الخطأ: {. . . وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: ٩٢]، وذكر القصاص في القتلى ثم قال: {. . . فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ١٧٨]، فذكر في الخطأ =

<<  <  ج: ص:  >  >>