للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>


(١) تنبيه: هذه المسألة هي في الأصل مسألة عقدية حاصلها تسمية البغي فسوق، وبناء عليها فيسمى فاعل البغي فاسقًا، وإنما جرى التنبيه على هذه المسألة لأن ثمة جماعة من أهل القبلة قدحوا في عدالة الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، لا سيما معاوية ومن كان معه في قتال علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، بأنهم بغاة خرجوا على إمامهم، والبغي فسوق، فيلزم منه فسق معاوية ومن كان معه، ونص على هذا ابن المرتضى في "البحر الزخار" (١/ ٣٥) فقال: "الأكثر أن معاوية فاسق؛ لبغيه، ولم تثبت توبته، فيجب التبرؤ منه"، وزاد الأمر على ذلك إلى أن البعض كفر جملة الصحابة، وآخرون استحلوا لعنهم، إلى غير ذلك من المزالق التي وقعوا فيها في صحابة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. ولا ريب أن ما ادعوه من التلازم بين كون البغي فسق، وفسق فاعله، أو كفره، أو إباحة لعنه، باطل ومردود؛ فإن أهل العلم قد نصوا على أن الباغي لا يطلق عليه اسم الفسق لمجرد بغيه، لأن بغيه كان بتأويل، فهو كالمجتهد المخطئ، بدليل قبول شهادة أهل البغي، ولو كانوا فساقًا لم تقبل، وقد بين ابن تيمية هذه المسألة وزادها إيضاحًا فقال في مجموع الفتاوى (٣٥/ ٦٩ - ٧٩): "سائر أهل السنة والجماعة وأئمة الدين لا يعتقدون عصمة أحد من الصحابة، ولا القرابة، ولا السابقين، ولا غيرهم، بل يجوز عندهم وقوع الذنوب منهم، واللَّه تعالى يغفر لهم بالتوبة ويرفع بها درجاتهم، ويغفر لهم بحسنات ماحية، أو بغير ذلك من الأسباب، قال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (٣٥)} [الزمر: ٣٣ - ٣٥]، وهذا في الذنوب المحققة، وأما ما اجتهدوا فيه: فتارة يصيبون، وتارة يخطئون، فإذا اجتهدوا فأصابوا فلهم أجران، وإذا اجتهدوا وأخطاوا فلهم أجر على اجتهادهم، وخطؤهم مغفور لهم. وأهل الضلال يجعلون الخطأ والإثم متلازمين: فتارة يغلون فيهم ويقولون: إنهم معصومون، وتارة يجفون عنهم ويقولون: إنهم باغون بالخطأ، وأهل العلم والإيمان لا يعصمون ولا يؤثمون. ومن هذا الباب تولد كثير من فرق أهل البدع والضلال، فطائفة صبت السلف ولعنتهم؛ لاعتقادهم أنهم فعلوا ذنوبا، وإن من فعلها يستحق اللعنة، بل قد يفسقونهم أو يكفرونهم، كما فعلت الخوارج الذين كفروا علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان ومن تولاهما، ولعنوهم وسبوهم واستحلوا قتالهم، وهؤلاء هم المارقة الذين مرقوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وكفروا كل من تولاه.
وكان المؤمنون قد افترقوا فرقتين: فرقة مع علي، وفرقة مع معاوية، فقاتل هؤلاء عليا =

<<  <  ج: ص:  >  >>