وأثنى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الحسن بهذا الصلح الذي كان على يديه، وسماه سيدا بذلك؛ لأجل أن ما فعله الحسن يحبه اللَّه ورسوله ويرضاه اللَّه ورسوله، ولو كان الاقتتال الذي حصل بين المسلمين هو الذي أمر اللَّه به ورسوله لم يكن الأمر كذلك، بل يكون الحسن قد ترك الواجب أو الأحب إلى اللَّه، وهذا النص الصحيح الصريح يبين أن ما فعله الحسن محمود مرضي للَّه ورسوله. وهذا مما يبين أن القتلى من أهل صفين لم يكونوا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمنزلة الخوارج المارقين الذين أمر بقتالهم، وهؤلاء مدح الصلح بينهم، ولم يأمر بقتالهم، ولهذا كانت الصحابة والأئمة متفقين على قتال الخوارج المارقين، وظهر من علي رضي اللَّه عنه السرور بقتالهم، ومن روايته عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم الأمر بقتالهم ما قد ظهر عنه، وأما قتال الصحابة فلم يروا عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيه أثر، ولم يظهر فيه سرور، بل ظهر منه الكآبة، وتمني أن لا يقع، وشَكرَ بعض الصحابة، وبرَّأ الفريقين من الكفر والنفاق، وأجاز الترحم على قتلى الطائفتين، وأمثال ذلك من الأمور التي يعرف بها اتفاق علي وغيره من الصحابة على أن كل واحدة من الطائفتين مؤمنة. وقد شهد القرآن بأن اقتتال المؤمنين لا يخرجهم عن الإيمان بقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩)} [الحجرات: ٩]، فسماهم مؤمنين وجعلهم إخوة مع وجود الاقتتال والبغي. ومعاوية لم يدع الخلافة، ولم يبايع له بها حين قاتل عليًا، ولم يقاتل على أنه خليفة، ولا أنه يستحق الخلافة، ويقرون له بذلك، وقد كان معاوية يقر بذلك لمن سأله عنه، ولا كان معاوية وأصحابه يرون أن يبتدوا عليًا وأصحابه بالقتال. بل لما رأى علي رضي اللَّه عنه وأصحابه أنه يجب عليهم طاعته ومبايعته إذ لا يكون للمسلمين إلا خليفة واحد، وأنهم خارجون عن طاعته، يمتنعون عن هذا الواجب، وهم أهل شوكة، رأى أن يقاتلهم حتى يؤدوا هذا الواجب فتحصل الطاعة والجماعة. وهم قالوا: إن ذلك لا يجب عليهم، وأنهم إذا قوتلوا على ذلك كانوا مظلومين، قالوا: لأن عثمان قتل مظلوما باتفاق المسلمين، وقتله في عسكر علي، وهم غالبون لهم شوكة، فإذا =