للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع رِبقة (١) الإسلام من عنقه" (٢).

• وجه الدلالة من الأحاديث السابقة:

قال الشافعي: [إذا كانت جماعتهم متفرقة في البلدان، فلا يقدر أحد أن يلزم جماعة أبدان قوم متفرقين، وقد وجدت الأبدان تكون مجتمعة من المسلمين والكافرين والأتقياء والفُجَّار، فلم يكن في لزوم الأبدان معنى؛ لأنه لا يمكن، ولأن اجتماع الأبدان لا يصنع شيئًا، فلم يكن للزوم جماعتهم معنى إلا عليهم جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما، ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أُمر بلزومها، وإنما تكون الغفلة في الفرقة، فأما الجماعة فلا يمكن فيها كافة غفلة عن معنى كتاب ولا سنة ولا قياس -إن شاء اللَّه-] (٣).

وها هنا مسألتان (٤):

المسألة الأولى: أن هذه النصوص أفادت أن العصمة ثابتة للأمة دون اشتراط عدد معين، بل إن أهل الإجماع متى ثبت اتفاقهم وجب اتباع قولهم وثبتت


= واسم أبيه على المشهور، وكان من السابقين إلى الإسلام، يقال: إنه كان بعد أربعة، وانصرف إلى بلاد قومه فأقام بها حتى قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة ومضت بدر وأحد، قال فيه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: [ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر، وكان يوازي ابن مسعود في العلم]. توفي بالربذة سنة (٣٢ هـ)، "الاستيعاب" (١/ ٢٥٢)، "أسد الغابة" (١/ ٥٦٢)، "الإصابة" (٧/ ١٢٦).
(١) الربقة في الأصل: عروةٌ في حبل تجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها، فاستعارها للإسلام يعني ما يشد به المسلم نفسه من عرى الإسلام، أي: حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه. "النهاية" (٢/ ١٩٠).
(٢) أخرجه أبو داود (٤٧٢٥)، (٥/ ٢٥٢)، والحاكم في "مستدركه" (٤٠١)، (١/ ٢٠٣)، والبيهقي في "الكبرى" (١٦٣٩١)، (٨/ ١٥٧). قال الحاكم: [خالد بن وهبان لم يجرح في رواياته، وهو تابعي معروف، إلا أن الشيخين لم يخرجاه، وقد روي هذا المتن عن عبد اللَّه ابن عمر بإسناد صحيح على شرطهما].
(٣) "الرسالة" (ص ٤٧٥).
(٤) وقد ذكر هاتين المسألتين الدكتور الجيزاني في "معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة" (ص ١٦٩ - ١٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>