(٢) جاء عن الإمام أحمد فيما رواه عنه ابنه عبد اللَّه في "مسائله" (١/ ٤٣٨) أنه قال: [من ادعى الإجماع فهو كاذب] وقد حملها أهل العلم على عدة أوجه لكونه رحمه اللَّه يحتج بالإجماع، ويستدل به في بعض الأحيان، مع أن ظاهر هذه المقالة منع وقوع الإجماع، ومن هذا الأوجه: أنه قال هذا من باب الورع لجواز أن يكون هناك خلاف لم يبلغه، أو أنه قال ذلك في حق من ليس له معرفة بخلاف السلف، ويدل لذلك كلامه السابق؛ إذ يقول: [من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا، هذه دعوى بشر المريسي والأصم، ولكن يقول: لا نعلم الناس اختلفوا، إذا هو لم يبلغه]، ونُقل عنه أنه قال أيضًا: [هذا كذب ما أعْلَمَه أن الناس مجمعون؟ ولكن يقول: لا أعلم فيه اختلافا فهو أحسن من قوله: إجماع الناس]. ولذلك يقول الشافعي: [فإن قال لك قائل لقلة الخبرة: وكثرة الإجماع عن أن يحكى: وأنت قد تصنع مثل هذا فتقول: هذا أمر مجمع عليه؟ قال: لست أقول، ولا أحد من أهل العلم هذا مجتمع عليه إلا لما تلقى عالما أبدا إلا قاله لك وحكاه عمن قبله، كالظهر أربع، وكتحريم الخمر وما أشبه هذا]. "الرسالة" (ص ٥٣٤). فعلم بالنقل عن هذين الإمامين أن الواجب الاحتياط في نقل الإجماع والتثبت في ادعائه، فإن الجزم باتفاق العلماء وإجماعهم من قبيل عدم العلم وليس من قبيل العلم بالعدم، لا سيما وأن أقوال العلماء كثيرة لا يحصيها إلا رب العالمين، وعدم العلم لا حجة فيه، فلذلك كانت العبارة المختارة في نقل الإجماع أن يقال: لا نعلم نزاعا، أما أن يقال: الناس مجمعون فإذا يصح فيما علم واشتهر ضرورة بالاتفاق عليه. =