للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما لا يصح الاحتجاج لإبطال إجماع غير الصحابة بصعوبةٍ، أو تعذرِ وقوع الإجماع بعد عصر الصحابة لتفرق المجتهدين في الآفاق وانتشارهم في الأقطار، إذ غاية ذلك هو القول بعدم صحة وقوع الإجماع بعد عصر الصحابة وتعذر إمكانه.

أما حجية الإجماع فأمر آخر، فلا بد من التفريق بين حصول الإجماع وإمكان


= قال ابن تيمية: [يعني الإمام أحمد -رضي اللَّه عنه- أن المتكلمين في الفقه من أهل الكلام إذا ناظرتهم بالسنن والآثار قالوا هذا خلاف الإجماع، وذلك القول الذي يخالف ذلك الحديث لا يحفظونه إلا عن فقهاء المدينة، وفقهاء الكوفة مثلا، فيدعون الإجماع من قلة معرفتهم بأقاويل العلماء، واجترائهم على رد السنن بالآراء، حتى كان بعضهم ترد عليه الأحاديث الصحيحة في خيار المجلس ونحوه من الأحكام والآثار, فلا يجد معتصما إلا أن يقول هذا لم يقل به أحد من العلماء، وهو لا يعرفه إلا أن أبا حنيفة ومالكا وأصحابهما لم يقولوا بذلك، ولو كان له علم لرأى من الصحابة والتابعين وتابعيهم ممن قال بذلك خلقا كثيرا]، "الفتاوى الكبرى" (٦/ ٢٨٦). ويقول ابن القيم: [وليس مراده -أي: الإمام أحمد - بهذا استبعاد وجود الإجماع، ولكن أحمد وأئمة الحديث بُلوا بمن يرد السنة الصحيحة بإجماع الناس على خلافها، فبيَّن الشافعي وأحمد أن هذه الدعوى كذب، وأنه لا يجوز رد السنن بمثلها]. "مختصر الصواعق المرسلة" (ص ٥٠٦). وله كلام نفيس في "الصواعق" الأصل في بيان هذا المعنى، وأمثلة من كلام العلماء في إجماعات حكوها والخلاف فيها مشهور، فليرجع إليه. (٢/ ٢٧٩) وما بعدها.
ومن العلماء من حمل كلام الإمام على إجماع ما عدا الصحابة، فالإجماع المنضبط هو إجماع الصحابة دون غيرهم، منهم ابن تيمية، وفي هذا يقول: [الذي أنكره أحمد دعوى إجماع المخالفين بعد الصحابة، أو بعدهم وبعد التابعين، أو بعد القرون الثلاثة المحمودة، ولا يكاد يوجد في كلامه احتجاج بإجماع بعد عصر التابعين أو بعد القرون الثلاثة، مع أن صغار التابعين أدركوا القرن الثالث، وكلامه في إجماع كل عصر إنما هو في التابعين]. "المستدرك على مجموع الفتاوى" (٢/ ١١٤).
ومن العلماء من حمل كلام الإمام على من انفرد بحكاية الإجماع دون غيره فإنه يكذب؛ إذ كيف يطلع عليه هو دون غيره من سائر العلماء.
ينظر في التوجيهات: "العدة" لأبي يعلى (٤/ ١٠٦٠)، "الواضح في أصول الفقه" (٥/ ١٠٤)، "أعلام الموقعين" (١/ ٢٤)، و (٢/ ١٧٥)، "البحر المحيط" (٦/ ٣٨٢)، "التقرير والتحبير" (٢/ ٨٣)، "شرح الكوكب المنير" (٢/ ٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>