وفي مواضع يذكر المسألة على أنها إجماع سكوتي، من جهة أنه أمر قد فعله بعض الصحابة ولم ينكر عليه أحد، وفي موضع آخرى ينفي علمه بالخلاف في المسألة، وفي كل موضع له مدلول خاص فإذا حكى الإجماع صراحة ففي الغالب يكون الإجماع متحققًا وإن كان ثمة خلاف فيه فهو شاذ عنده، وأما إن ذكره من باب الإجماع السكوتي فهو يريد به توقية الدليل لهذا القول، لا حكاية الإجماع بين أهل العلم، فإن الخلاف في المسألة قد يكون مشهورًا بين الأئمة الأربعة، أما إن ذكر نفيه للعلم بالخلاف في المسألة فهذا يحتمل تحقق الإجماع وعدمه، لكن مع الجزم على أن عامة أهل العلم عليه، وإن كان ثمة خلاف فهو إما خلاف لنزر من أهل العلم، أو ممن أظهره ابن حزم.
٤ - أن العالم الواحد قد يكون له عدة مدلولات على لفظ واحد، مثل أن يحكي القول بأنه لا خلاف في المسألة، ثم هذا الإطلاق تارة يعني به نفي الخلاف عمومًا، وتارة نفي الخلاف المذهبي، إلا أن الإطلاق الذي يُراد به نفي المذهب غالبًا ما يكون معلومًا بقرائن تدل عليه، كأن يصرح العالم بأن ذلك خاص في المذهب بقوله:"بلا خلاف بين أصحابنا"، أو "لا خلاف عندنا" أو نحو ذلك.
ومن القرائن أن يذكر الإجماع في المسألة ثم يذكر بعدهما خلاف أهل العلم.
٥ - أن العلماء المتقدمين الذين اعتنوا بحكاية الإجماع قليلون بالنسبة لكثرتهم في العلم، والذي كان له قدم السبق في هذا المجال هو ابن المنذر في كتبه "الإشراف"، و"الأوسط"، وغيرهما، ثم انتشر الاهتمام بذلك من أهل العلم من مستقل ومستكثر، وبرز أئمة أكثروا من ذلك كابن عبد البر، وابن تيمية، وغيرهم.