للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتندر مخالفتهم لإجماع قطعي.

ويشهد لهذا أيضا ما كان عليه العمل عند المتقدمين الذين أدركوا إمام المذهب أبا سليمان داود بن علي، فإن مذهبه كان مشهورا، بل مما يزيد في شهرته أنه كان في بغداد، حاضرة العالم، ومعقل العلم والعلماء، ولم يُذْكر إنكار العلماء عليه، لا في فتاويه، ولا في دروسه، ولا في تآليفه، وقد عاصره علماء أجلاء، وشيوخ كبار، بل كانوا يذكرونه بالعلم والخير، ولما سُئل الطبري وابن سريج (١) عن كتاب ابن قتيبة في الفقه، أين هو عندكم؟ فقالا: [ليس بشيء، ولا كتاب أبي عبيد (٢)، فإذا أردت الفقه: فكتب الشافعي وداود ونظرائهما].

وكذلك العلماء من بعدهم، بل كانوا يتجالسون ويتناظرون فيما بينهم، ويبرز كل واحد منهم حجته، ولا يسعون بالداودية إلى السلطان، بل أبلغ من ذلك أنهم ينصبون معهم الخلاف في تصانيفهم قديما وحديثا، وهذا دليل على اعتبار قولهم وخلافهم، وإلا فلا فائدة من ذلك (٣).

القول الثالث: التفصيل: الاعتداد بقوله إلا فيما خالف فيه القياس الجلي، وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه، أو بناه على أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلانها، فاتفاق من سواه إجماع منعقد، كقوله في التغوط في الماء الراكد، وقوله: لا ربا إلا في ستة الأصناف المنصوص عليها، فخلافه فيها غير معتد به؛ لأنه مبني على ما يقطع ببطلانه. وهذا القول اختاره الأبياري (٤)، وابن الصلاح من


(١) أحمد بن عمر بن سريج البغدادي الشافعي أبو العباس القاضي، ولد بعد المائتين والأربعين، قال عنه الشيرازي: [كان يفضل على جميع أصحاب الشافعي حتى على المزني] توفي عام (٣٠٦ هـ). "طبقات السبكي" (٣/ ٢١)، "طبقات ابن شهبة" (١/ ٩٠).
(٢) القاسم بن سلام أبو عبيد، كان أبوه رومانيا مملوكا لرجل من أهل هراة، كان إمام أهل عصره في كل فن من العلم، وولي قضاء طرسوس، صنف فأحسن التصنيف، من مصنفاته: "غريب الحديث"، "الأموال"، "غريب القرآن". توفي عام (٢٢٣ هـ)، "معجم الأدباء" (٤/ ٥٩٢)، "مرآة الجنان" (٢/ ٨٣)، "معرفة القراء الكبار" (١/ ١٧٠).
(٣) ينظر: "فتاوى ابن الصلاح" (١/ ٢٠٧)، "البحر المحيط" (٣/ ٤٢٥)، "طبقات السبكي" (٢/ ٢٩٠)، "سير أعلام النبلاء" (١٣/ ١٠٥).
(٤) علي بن إسماعيل بن علي بن حسن بن عطية شمس الدين أبي الحسن الأبياري، نسبة إلى =

<<  <  ج: ص:  >  >>