للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يغلب على ظن الباحث أنه لم يؤلف كتاب الإجماع استقلالا، وإنما هو مُسْتل من كتاب الإشراف، حتى إنه سار في ترتيب الإجماعات على ما هو مذكور في الإشراف حذو القذة بالقذة.

ثامنًا: أما ابن عبد البر:

فهو إمام موسوعي، لا يُشَق له غبار في معرفة مواطن الخلاف والإجماع بين العلماء، مشهود له بذلك، حتى عُدت بعض كتبه من نوادر الكتب التي إليها مرد العلم والفقه في الدين (١).

وقد حكى سبعة وأربعين إجماعا، منها عشرون مسألة نقلها عنه غيره، ولم ينقل عن غيره شيئا.

وقد عُرف عنه اهتمامه بحكاية الإجماع ودقة نقله فيه، فهو يُميِّز بين ألفاظ الإجماع، ويُغَاير بينها، إذا لزم الأمر، فإذا قال [أجمعوا على كذا] ليس كما لو قال: [أجمع الفقهاء]، أو [بلا خلاف بين العلماء] ونحوها من العبارات.

من غريب ما يذكر أنه وإن كان إماما مبرزا في العلم، إلا أن أزهد الناس في النقل عنه هم علماء مذهبه، فلا تكاد تجدهم ينقلون عنه إلا قليلا، ولذا حاز قصب السبق في النقل عنه أئمة المذاهب الأخرى.


= وقد أشار إلى هذا المعتني بكتبه وهو الدكتور/ أبو حماد صغير أحمد بن محمد حنيف في "مقدمة الإجماع" (ص ١٦)، وقبله ابن القيم حيث يقول: [وهذه عادة ابن المنذر أنه إذا رأى قول أكثر أهل العلم حكاه إجماعا]. "تصحيح الفروع" (١/ ٤٦٥)، "الإنصاف" (٢/ ١١٨).
(١) قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: [ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل: "المحلى" لابن حزم، وكتاب "المغني" للشيخ موفق الدين]. قال الذهبي معلقا على هذا: [قلت: لقد صدق الشيخ عز الدين، وثالثهما: "السنن الكبير" للبيهقي، ورابعها: "التمهيد" لابن عبد البر، فمن حصَّل هذه الدواوين، وكان من أذكياء المفتين، وأدمن المطالعة فيها، فهو العالم حقا]. "سير أعلام النبلاء" (١٨/ ١٩٣). ونقل هذه العبارة الشيخ/ بكر أبو زيد رحمه اللَّه ثم قال: [قلت: وخامسها وسادسها: مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، ومؤلفات ابن قيم الجوزية، وهما عندي في الكتب منزلة السمع والبصر، وصدق الشوكاني في قوله: لو أن رجلا في الإسلام ليس عنده من الكتب إلا كتب هذين الشيخين لكفتاه. وسابعها: "فتح الباري" لابن حجر]. "المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل" (٢/ ٦٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>