للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تاسعًا: ابن حزم:

لا يخفى -كما مر- أن مذهبه لا يرى الاعتداد بالإجماع إلا بالإجماعات القطعية، أو التي وقعت وانتشرت انتشارا ظاهرا في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بحيث لا يتخلف عن معرفتها أحد من الصحابة (١).

وقد حكى ثلاثة وخمسين إجماعا، منها ثلاث وثلاثون مسألة نقلها عنه غيره، ولم ينقل عن أحد شيئًا.

كل الإجماعات التي حكاها في كتابه مراتب الإجماع، حكاها بلفظ الاتفاق، دون غيرها من سائر الألفاظ، إلا في مسألتين من مسائل السبق، وهما: إخراج السبق من الإمام، وإخراجه من أحد المتسابقَين، فقد حكاهما بنفي العلم في الخلاف.

من عادته أنه يُحاج المذاهب الأخرى بإجماعات الصحابة ولا يعتد هو بها.

وقد ذكر في خاتمة كتابه المراتب أنه يفرق بين الألفاظ في حكاية الإجماع، فقال: [وليعلم القارئُ لكلامنا، أن بين قولنا لم يجمعوا وبين قولنا لم يتفقوا فرقا عظيما] (٢) ثم ختم الكتاب ولم يذكر هذا الفرق.

ذكر في كتابه مراتب الإجماع [وإنما ندخل في هذا الكتاب الإجماع التام الذي لا مخالف فيه ألبتة، الذي يعلم كما يعلم أن صلاة الصبح في الأمن والخوف ركعتان، وأن شهر رمضان هو الذي بين شوال وشعبان، وأن الذي في المصاحف هو الذي أتى به محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأخبر أنه وحي من اللَّه، وأن في خمس من الابل شاة، ونحو ذلك] (٣). ولم يلتزم شرطه في الكتاب، ولو التزمه لم يبق من كتابه إلا النزر اليسير من المسائل، بل تجده يحكي الاتفاق في مراتب الإجماع، ويخالفه هو في كتابه المحلى، كما في مسألة: اشتراط الخيار ثلاثة أيام بلياليها.

أو أحيانا ينقل الخلاف هو في المسألة، كما في مسألة: اشتراط المشتري مال الرقيق.


(١) ينظر في تقرير مذهبه: "الإحكام" (٤/ ٥١٠ - ٥١١).
(٢) "مراتب الإجماع" (ص ٢٧٤).
(٣) "مراتب الإجماع" (ص ٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>