للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنهم.

ولا شك أن هذا الانفراد في النقل عن هؤلاء الأئمة يدعو إلى الريبة والشك، ويتطلب أخذ الحيطة والحذر في الجزم بالنسبة إليهم.

ويجاب عما نقله ابن حزم عنهم بما يلي:

أولًا: أن عامة هذه النقول جاءت عامة في النهي عن كراء الأرض، وقد جاء استثناء الذهب والفضة في نصوص أخرى، كما جاء ذلك في الأحاديث التي وردت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلا يمكن فصل هذه النصوص بعضها عن بعض، والذين ورد عنهم النهي المطلق، لا يدل على عدم التقييد عندهم (١). ثم إن هذه النقول عن هؤلاء، لا تخفى على العلماء، ولم يُنقل أن واحدا منهم نقل هذا النقول التي انفرد بأكثرها ابن حزم، فدل على أنهم فهموا غير ما فهمه ابن حزم منها، وأنها ليست على إطلاقها، ومما يتأيد به هذا الكلام، نَقْل ابن المنذر الإجماع عن الصحابة، وإقرار ابن حجر والعيني له على ذلك.

ثانيًا: أن النهي الذي جاء عنهم محمول على ما يكون فيه غرر وجهالة، تفضي إلى النزاع والشقاق، وهو منتف في كراء الأرض بالذهب والفضة، ويدل على هذا المعنى ما جاء في حديث رافع، وفيه: "كُنَّا أكثر أهل المدينة حقلًا، وكان أحدنا يكري أرضه، فيقول: هذه القطعة لي، وهذه لك، فربما أَخرجت ذه، ولم تُخرج ذه، فنهاهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-". وفي لفظ له أيضًا "فربما أخرجت هذه، ولم تخرج هذه، فنهينا عن ذلك، ولم نُنْه عن الوَرق" (٢).

ثالثًا: من هذه الآثار ما يغلب على الظن تراجع أصحابها عنها، كما هو الحال في قول طاوس -وهو الذي اشتهر عنه القول به- فقد جاء عنه كراهة كراء الأرض بالذهب والفضة صريحا، وقد نص بعض العلماء على أن هذا هو أحد قوليه (٣). ومن العلماء من شكك في نسبة هذا القول إليه وإلى الحسن، ومن هؤلاء: القاضي


= (٣/ ٤٢٧).
(١) ينظر: "فتح الباري" (٥/ ٢٥).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) "المنتقى" (٥/ ١٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>