للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الوهاب حيث قال: [ولا أظن الحكاية ثابتة] (١).

رابعًا: من الآثار ما يغلب على الظن أن أصحابها قالوها تورعا وتركوها احتياطا، كما ورد عن ابن عمر (٢)، ويدل لهذا ما أخبر به سالم بن عبد اللَّه أن عبد اللَّه بن عمر كان يكري أراضيه، حتى بلغه أن رافع بن خديج الأنصاري كان ينهى عن كراء الأرض، فلقيه عبد اللَّه، فقال: يا ابن خديج ماذا تُحدث عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في كراء الأرض؟ قال رافع بن خديج لعبد اللَّه: سمعت عَمّيَّ -وكانا قد شهدا بدرا- يحدثان أهل الدار أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن كراء الأرض، قال عبد اللَّه: لقد كنت أعلم في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن الأرض تكرى، ثم خشي عبد اللَّه أن يكون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحدث في ذلك شيئًا لم يكن علمه، فترك كراء الأرض (٣). فخشْيَة ابن عمر تدل على تورعه كما هو معروف عنه، ولا يمكن أن يجزم بأن هذا رأي له. ولذا جاء في رواية أنه كان إذا سئل عن ذلك؟ قال: زعم رافع أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن ذلك. وأصرح من هذا ما رواه نافع عنه قال: كان ابن عمر يُكري أرضه فأخبر بحديث رافع بن خديج فأخبره، فقال: قد علمت أن أهل الأرض يعطون أراضيهم على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويشترط صاحب الأرض أن لي الماذيانات، وما سقى الربيع، ويشترط من الجرين (٤) شيئًا معلوما، قال: فكان ابن عمر يظن أن النهي لما كانوا يشترطون (٥). وهذا يدل على أن النهي إنما هو إذا كان شرط بين المتعاقدين على أن له شيء محدد من الأرض، وهذا فيه جهالة وضمان، وكلها فاسدة لا تجوز.

خامسًا: أن الذين ورد عنهم النهي، لعل مردَّه إلى ما قاله رافع بن خديج -رضي اللَّه عنه-، وإنما هو فَهْم فهمه على غير وجهه، كما يدل على ذلك ما جاء عن زيد بن ثابت حين قال: يغفر اللَّه لرافع بن خديج! أنا -واللَّه- أعلم بالحديث منه، إنما كانا


(١) "الإشراف" (٢/ ٦٣). وهذا ربما يكون متعقبا لأن الرواية عن طاوس في مسلم.
(٢) ينظر: "المبسوط" (٢٣/ ١٥).
(٣) أخرج هذا اللفظ: مسلم (١٥٤٧)، (٣/ ٩٥٦).
(٤) الجرين: الموضع الذي يجري فيه التمر إلى صرم، ويترك حتى يتم جفافه. "المطلع" (ص ١٣٢).
(٥) أخرج هذا اللفظ: عبد الرزاق في "مصنفه" (١٤٤٥٤)، (٨/ ٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>