" والذي يظهر لي أن العلة فيه ممن دون الحارث "، ومال إليه الشيخ المعلمي رحمه الله في " التنكيل "(٢ / ٢٢٣) . قلت: بل علته الحارث هذا، لأن مدار الحديث على محمد بن زنبور عنه، وابن زنبور لم يتهمه أحد، بخلاف الحارث فقد علمت قول ابن حبان والحاكم فيه، بل كذبه ابن خزيمة كما يأتي فهو آفة هذا الحديث، وقد أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " وقال: (١ / ٢٤٥) : " تفرد به الحارث قال ابن حبان: كان يروي عن الأثبات الموضوعات، روى هذا الحديث ولا أصل له.
وقال ابن خزيمة: الحارث كذاب، ولا أصل لهذا الحديث ". وتعقبه السيوطي في " اللآليء "(١ / ٢٢٩ - ٢٣٠) بأمرين: الأول: ما سبق من توثيق بعضهم للحارث، وهذا لا يجدي شيئا بعد طعن ابن حبان وغيره فيه وروايته لهذا الحديث الذي يعترف ابن حبان والذهبي بوضعه ويوافقهم الحافظ ابن حجر كما يشير إليه قوله السابق في " التهذيب ". الثاني: بقوله: وقد ورد بهذا اللفظ من حديث أبي أيوب. ثم ساقه. وفي إسناده كذاب كما يأتي، فما فائدة الاستشهاد به؟! (فائدة هامة) : قال ابن الجوزي عقب الحديث: " قلت: كنت قد سمعت هذا الحديث في زمن الصبا فاستعملته نحوا من ثلاثين سنة لحسن ظني بالرواة، فلما علمت أنه موضوع تركته، فقال لي قائل: أليس هو استعمال خير؟ قلت: استعمال الخير ينبغي أن يكون مشروعا، فإذا علمنا أنه كذب خرج عن المشروعية ". أقول: وإذا خرج عن المشروعية فليس من الخير في شيء، فإنه لوكان خيرا لبلغه صلى الله عليه وسلم أمته، ولوبلغه، لرواه الثقات، ولم يتفرد بروايته من يروي الطامات عن الأثبات. وإن فيما حكاه ابن الجوزي عن نفسه لعبرة بالغة، فإنها حال أكثر علماء هذا الزمان ومن قبله، من الذين يتعبدون الله بكل حديث يسمعونه من مشايخهم، دون أي تحقق منهم بصحته، وإنما هو مجرد حسن الظن بهم. فرحم الله امرأ رأى العبرة بغيره فاعتبر. وحديث أبي أيوب المشار إليه هو:
٦٩٩ - " لما نزلت (الحمد لله رب العالمين) ، وآية (الكرسي) ، و (شهد الله) ، و (قل اللهم مالك الملك) إلى (بغير حساب) ، تعلقن بالعرش وقلن: أنزلتنا على قوم يعملون بمعاصيك؟ فقال: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا يتلوكن عبد دبر كل صلاة مكتوبة إلا غفرت له ما كان فيه وأسكنته جنة الفردوس، ونظرت إليه كل يوم سبعين مرة، وقضيت له سبعين حاجة، أدناها المغفرة ".