" فقالت أم سلمة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما (تعني الركعتين بعد العصر) ثم رأيته يصليهما، أما حين صلاهما فإنه صلى العصر ثم دخل وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما، فأرسلت إليه الجارية، فقلت: قومي بجنبه فقولي له: تقول أم سلمة: يا رسول الله إني أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين، وأراك تصليهما، فإن أشار بيده، فاستأخري عنه، قال: ففعلت الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه، فلما انصرف، قال: يا بنت أبي أمية! سألت عن الركعتين بعد العصر، إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان ".
ووجه المخالفة هو أن النهي عن الصلاة بعد العصر في الحديث متأخر عن صلاته صلى الله عليه وسلم بعدها، وفي حديث أم سلمة أن النهي متقدم وصلاته بعده متأخر، وهذا مما لا يفسح المجال لادعاء نسخ صلاة الركعتين بعد العصر، بل إن صلاته صلى الله عليه وسلم إياهما دليل عن تخصيص النهي السابق بغيرهما، فالحديث دليل واضح على مشروعية قضاء الفائتة لعذر، ولو كانت نافلة بعد العصر، وهو أرجح المذاهب، كما هو مذكور في المبسوطات.
والحديث سكت عليه الحافظ في " الفتح "(٢ / ٥١) وتبعه الصنعاني في " سبل السلام "(١ / ١٧١) ثم الشوكاني في " نيل الأوطار "(٣ / ٢٤) وسكوتهم الموهم صحته هو الذي حملني على تحرير القول فيه والكشف عن علته، والله الموفق. ثم رأيت ابن حزم ذكره (٢ / ٢٦٥) من طريق أبي داود ولم يضعفه، بل صنيعه يشعر بصحته عنده، فإنه أجاب عنه (٢ / ٢٦٨) بما يتعلق به من جهة دلالته ووفق بينه وبين ما يعارضه من جواز الركعتين بعد العصر عنده، ولو كان ضعيف لضعفه وما قصر، ولكنه قد قصر! ورأيت أبا الطيب الشهير بشمس الحق العظيم آبادي قد تنبه في كتابه " إعلام أهل العصر، بأحكام ركعتي الفجر "(ص ٥٥) لعلة أخرى في الحديث فقال: " وهذا معارض بما أخرجه مسلم والنسائي وغيرهما عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن عائشة أنها قالت: وهم عمر، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها، فإنما مفاد كلامه في رواية ذكوان (يعني في حديث ابن إسحاق) أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر، ومفاد كلامها في رواية طاووس أن النهي يتعلق بطلوع الشمس وغروبها، لا يرفع صلاة الفجر والعصر ". قلت: وهذه معارضة أخرى تضاف إلى المعارضتين السابقتين، وهي مما تزيد الحديث ضعفا على ضعف.
٩٤٦ - " قدم علي مال فشغلني عن الركعتين كنت أركعهم بعد الظهر، فصليتهما الآن، فقلت: يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا ".