للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

" كان رجل صالحا، إلا أنه كان يقلب الأخبار حتى صار الغالب على حديثه المناكير التي يسبق إلى القلب أنه كان المعتمد لها ". على أن حق العبارة أن يقال: " من معضل إسماعيل بن رافع " لأن إسماعيل هذا ليس تابعيا، بل هو يروي عن بعض التابعين، وعليه فقد سقط من السند اثنان فأكثر، فالحديث معضل.

٦٢٠ - " من أصبح يوم الجمعة صائما، وعاد مريضا، وأطعم مسكينا، وشيع جنازة، لم يتبعه ذنب أربعين سنة ".

موضوع.

أخرجه ابن عدي في " الكامل " (١٢٢ / ٢) ومن طريقه أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (٢ / ١٠٧) عن عمرو بن حمزة البصري: حدثنا خليل بن مرة عن إسماعيل بن إبراهيم عن عطاء بن أبي رباح عن جابر مرفوعا. وقال ابن الجوزي: " موضوع، عمرو، والخليل وإسماعيل كلهم ضعفاء مجروحون ".

وتعقبه السيوطي بقوله (٢ / ٢٨) : " قلت: هذا لا يقتضي الوضع، وقد وثق أبو زرعة الخليل فقال: شيخ صالح ... ". قلت: لكن قد أشار البخاري إلى اتهامه بقوله: " منكر الحديث ".

وقال في موضع آخر: " فيه نظر ". ولا يقول هذا إلا فيمن لا تحل الرواية عنه كما تقدم ذكره مرار، وإذا ثبت هذا عن إمام الأئمة فهو جرح واضح. وهو مقدم على التعديل، لاسيما إذا كان المعدل دون البخاري في العلم بالرجال.

ثم إن المحققين من العلماء قديما وحديثا لا يكتفون حين الطعن في الحديث الضعيف سنده على جرحه من جهة إسناده فقط، بل كثيرا ما ينظرون إلى متنه أيضا فإذا وجدوه غير متلائم مع نصوص الشريعة أو قواعدها لم يترددوا في الحكم عليه بالوضع، وإن كان السند وحده لا يقتضي ذلك كهذا الحديث، فإن فيه أن فعل هذه الأمور المستحبة في يوم الجمعة سبب في أن لا يسجل عليه ذنب أربعين سنة! وهذا شيء غريب لا مثيل له في الأحاديث الصحيحة فيما أذكر الآن.

ولهذا أقول:

إن الشواهد التي أوردها السيوطي ههنا لا تشهد للحديث إلا في الجملة. أما بخصوص هذه الجملة الأخيرة: " ولم يتبعه ذنب أربعين سنة " فلا، لأنها لم ترد في شيء منها مطلقا، وكلها أطبقت على أن الجزاء: " وجبت له الجنة "، ولا يخفى أن هذا شيء والجملة المتقدمة شيء آخر، إذ لا يلزم من استحقاق الجنة أن لا يتبعه ذنب أربعين سنة فقد يسجل عليه ذنب بل ذنوب ثم يحاسب عليها فقد يستحق بها النار فيدخلها، ثم يخرج منها فيدخل الجنة جزاء هذه الأعمال الفاضلة، أو بإيمانه.

فظهر الفرق بين الشاهد والمشهو د، وهذا مما يؤكد ما ذهب إليه ابن الجوزي من أن الحديث موضوع. فتأمل فأنه شيء خطر في البال، فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمن نفسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>