ومن مساويء هذه القاعدة المزعومة إثبات أحكام شرعية بأحاديث ضعيفة، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا وحسبك منها الآن هذا الحديث، بل إن بعضهم يثبت ذلك بأحاديث موضوعة اعتمادا منه على تضعيف مطلق للحديث من بعض الأئمة، بينما هو في الحقيقة موضوع، ولا ينافي القول به الاطلاق المذكور. وهذا باب واسع لا مجال لتفصيل الكلام فيه في هذا المكان.
هذا ويغلب على الظن أن أصل الحديث موقوف، تعمد رفعه ذلك الهالك، أو على الأقل المتقدم عن ابن عباس موقوفا عليه، وقد رواه الطبراني في " المعجم الكبير "(٣ / ٨٥ - ٨٦) من طريق أخرى عنه موقوفا عليه مختصرا بلفظ: " إن القوس أمان لأهل الأرض من الغرق ". ورجاله كلهم ثقات، وقال الحافظ ابن كثير في " البداية "(١ / ٣٨) : " إسناده صحيح ". وفيه عندي نظر لأن في سنده عارما أبا النعمان واسمه محمد بن الفضل وكان تغير بل اختلط في آخر عمره.
ويؤيده أيضا أن ابن وهب رواه في " الجامع "(ص ٨) والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة "(١ / ١٧٦ - ١٧٧) من حديث علي موقوفا عليه أيضا.
ثم رواه ابن وهب عن القاسم بن عبد الرحمن من قوله. وإذا ثبت أن الحديث موقوف، فالظاهر حينئذ أنه من الإسرائيليات التي تلقاها بعض الصحابة عن أهل الكتاب، وموقف المؤمن تجاهها معروف، وهو عدم التصديق ولا التكذيب، إلا إذا خالفت شرعا أو عقلا. والله أعلم. اهـ.
٨٧٣ - " إن من الجفاء أن يمسح الرجل جبينه قبل أن يفرغ من صلاته، وأن يصلي لا يبالي من إمامه؟ وأن يأكل مع رجل ليس من أهل دينه، ولا من أهل الكتاب في إناء واحد ".
ضعيف جدا.
رواه تمام (ج ٢٩) وابن عساكر (٢ / ٢٣٦ / ٢) عن أبي عبد الله نجيح بن إبراهيم النخعي: أخبرنا معمر بن بكار: حدثني عثمان بن عبد الرحمن عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس مرفوعا.
قلت: وهذا سند ضعيف جدا، بل موضوع، عثمان بن عبد الرحمن هو الوقاصي متهم، قال البخاري:" سكتوا عنه ". وقال ابن حبان (٢ / ٩٩) : " كان يروي عن الثقات الموضوعات لا يجوز الاحتجاج به ".
ثم ساق له الطرف الأول من الحديث نحوه. ومعمر بن بكار، قال العقيلي:" في حديثه وهم، ولا يتابع على أكثره ". وأما ابن حبان فذكره في " الثقات "!