ثم وقفت بعد ذلك على بعض الآثار الصحيحة عن غير واحد تؤيد ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، وأنها تشمل المرور في مسجد مكة، فإليك ما تيسر لي الوقوف عليه منها:
١ - عن صالح بن كيسان قال: رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة ولا يدع أحدا يمر بين يديه، رواه أبو زرعة في " تاريخ دمشق "(٩١ / ١) وابن عساكر (٨ / ١٠٦ / ٢) بسند صحيح.
٢ - عن يحيى بن أبي كثير قال: رأيت أنس بن مالك دخل المسجد الحرام، فركز شيئا، أو هيأ شيئا يصلي إليه. رواه ابن سعد في " الطبقات "(٧ / ١٨) بسند صحيح. (تنبيه على وهم نبيه) : اعلم أن لفظ رواية ابن ماجه لهذا الحديث: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من سبعه جاء حتى يحاذي بالركن، فصلى ركعتين.... ". وقد ذكر العلامة ابن الهمام في " فتح القدير " هذه الرواية، لكن تحرف عليه قوله " سبعه " إلى " سعيه "! فاستدل به على استحباب صلاة ركعتين بعد السعي، وهي بدعة محدثة لا أصل لها في السنة كما نبه على ذلك غير واحد من الأئمة كأبي شامة وغيره كما ذكرته في ذيل " حجة النبي صلى الله عليه وسلم " الطبعة الثانية، وكذلك في رسالتي الجديدة " مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة وآثار السلف " فقرة (٦٩) .
٩٢٩ - " كان يخر على ركبتيه، ولا يتكىء ".
ضعيف.
أخرجه ابن حبان في " صحيحه "(رقم ٤٩٧ - موارد) من طريق معاذ بن محمد بن معاذ بن أبي بن كعب عن أبيه عن جده عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا سند ضعيف مسلسل بالمجهولين، قال ابن المديني:" لا نعرف محمد بن معاذ هذا، ولا أباه، ولا جده في الرواية، وهذا إسناد مجهول ". كذا في " الميزان " و" اللسان ". وقال الحافظ في ترجمة محمد هذا من " التقريب ". " مجهول ". وقال في ابنه معاذ:" مقبول ".
قلت: وأما ابن حبان فأوردهم في " الثقات " على قاعدته في توثيق المجهولين، ثم أخرج حديثهم في صحيحه كما ترى، فلا تغتر بذلك، فإنه قد شذ في ذلك عن التعريف الذي اتفق عليه جماهير المحدثين في الحديث الصحيح وهو:" ما رواه عدل، ضابط، عن مثله ". فأين العدالة، وأين الضبط في مثل هؤلاء المجهولين. لاسيما وقد رووا منكرا من الحديث خالفوا به الصحيح الثابت عنه صلى الله عليه وسلم من غير طريق كما سيأتي بيانه.
ولقد بدا لي شيء جديد يؤكد شذوذ ابن حبان المذكور، ذلك أنني حصلت نسخة من كتابه القيم " المجروحين " في موسم حج السنة الماضية (١٣٩٦) فلم أر له فيه راويا واحدا جرحه