فلو أن قوما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم استمروا على العمل بهذا النهي لعدم بلوغ الرخصة إليهم، أفكان ينكر صلى الله عليه وسلم عليهم أم يكتفي بتعليمهم؟ لا شك أن الجواب إنما هو تعليمهم فقط، فكذلك الأمر في كراهة الاستقبال، كان يكتفي معهم بتعليمهم، وأما أن ينكر عليهم بقوله " أو قد فعلوها " فإنه شيء
ثقيل لا أكاد أتخيل صدوره منه صلى الله عليه وسلم، وقد أراحنا الله تعالى من التصديق به بعد أن علمنا ثبوته بالطريق التي أقام الحجة بها على عباده في تعريفهم بتفاصيل شريعته، وأعني الإسناد. واعلم أن كلامنا هذا إنما هو قائم على أساس ما ذهب إليه بعض العلماء من الاستدلال بالحديث على نسخ النهي عن استقبال القبلة، وأما على افتراض أنه كان قبل النهي عن استقبال القبلة فلا يرد الاستنكار المذكور، وعليه حمل ابن حزم الحديث على فرض صحته فقال (١ / ١٩٧ - ١٩٨) : " ثم لوصح لما كان لهم فيه حجة، لأن نصه يبين أنه إنما كان قبل النهي، لأن من الباطل المحال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن استقبال القبلة بالبول والغائط، ثم ينكر عليهم طاعته في ذلك المجال، هذا ما لا يظنه مسلم ولا ذوعقل، وفي هذا الخبر إنكار ذلك عليهم، لوصح لكان
منسوخا بلا شك ". قلت: لكن يرد على هذا الافتراض أنه يبعد أن يكره الصحابة شيئا دون توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، وافتراض ثبوت ذلك عنهم فيه إساءة الظن بهم وأنهم يشرعون بآرائهم، وهذا ما لا يجوز أن نظنه بهم، ولذلك فالحديث كيف ما أول فهو منكر عندي. والله أعلم.
٩٤٨ - " إنما هو بمنزلة المخاط والبزاق، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة، أو إذخرة. (يعني المني) ".
منكر مرفوعا.
رواه الدارقطني (٤٦) والبيهقي (٢ / ٤١٨) من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق: أخبرنا شريك عن محمد بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس قال: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب؟ قال: " فذكره، وقال الدارقطني:" لم يرو هـ غير إسحاق الأزرق عن شريك (يعني مرفوعا) ، محمد بن عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى ثقة في حفظ شيء ". وقال البيهقي:" ورواه وكيع عن ابن أبي ليلى موقوفا على ابن عباس، وهو الصحيح ".
قلت: وهذا وصله الدارقطني: حدثنا محمد بن مخلد: أخبرنا الحساني: أخبرنا وكيع به. ويرجح هذا أنه ورد موقوفا من طريقين آخرين عن عطاء، فقال الشافعي في " سننه "(١ / ٢٤) : أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار وابن جريج كلاهما يخبره عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في المني يصيب الثوب، قال: