قلت: فمثله لا يحتج به لاسيما والحديث في الصحيحين من طريق أخرى عن جابر وليس فيه ذكر المنبر كما
تقدم.
٩٦٤ - " كان إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها وهو على المنبر ".
لا أصل له بهذه الزيادة و" وهو على المنبر ".
فيما أعلم وقد أورده هكذا الزرقاني في " شرح المواهب الدنية "(٧ / ٣٩٤) من رواية أبي داود والصنعاني في " سبل السلام "(٢ / ٦٥) من روايته من حديث البراء بلفظ: " كان إذا خطب يعتمد على عنزة له ". والذي رأيته في " سنن أبي داود "(١ / ١٧٨) من طريق أبي جناب عن يزيد بن البراء عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نوول يوم العيد قوسا فخطب عليه، وكذا رواه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم "(ص ١٤٦) وابن أبي شيبة (٢ / ١٥٨) ورواه أحمد (٤ / ٢٨٢) مطولا وكذا الطبراني وصححه ابن السكن فيما ذكره الحافظ في " التلخيص "(١٣٧) ، وفيه نظر فإن أبا جناب واسمه يحيى بن أبي حية ضعيف، قال الحافظ في " التقريب ": " ضعفوه لكثرة تدليسه ".
فأنت ترى أنه ليس في الحديث أن ذلك كان على المنبر، ويوم الجمعة، بل هو صريح في يوم العيد دون المنبر، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يخطب فيه على المنبر، لأنه كان يصلي في المصلى، ولذلك لم يصح التعقب به - كما فعل الزرقاني تبعا لأصله: القسطلاني - على ابن القيم في قوله في " زاد المعاد "(١ / ١٦٦) : " ولم يكن يأخذ بيده سيفا ولا غيره، وإنما كان يعتمد على عصا، ولم يحفظ عنه أنه اعتمد على سيف، وما يظنه بعض الجهال أنه
كان يعتمد على السيف دائما، وأن ذلك إشارة إلى الدين قام بالسيف فمن فرط جهله، فإنه لا يحفظ عنه بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بسيف ولا قوس ولا غيره، ولا قبل اتخاذه أنه أخذ بيده سيفا ألبتة، وإنما كان يعتمد على عصا أو قوس ". فقوله " قبل أن يتخذ المنبر " صواب لا غبار عليه، وإن نظر فيه القسطلاني وتعقبه الزرقاني كما أشرنا آنفا، وذلك قوله في شرحه:" كيف وفي أبي داود: كان إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها وهو على المنبر "! فقد علمت مما سبق أن هذا لا أصل له عند أبي داود، بل ولا عند غيره من أهل السنن الأربعة وغيرهم، فقد تتبعت الحديث فيما أمكنني من المصادر، فوجدته روي عن جماعة من الصحابة، وهم الحكم بن حزن الكلفي وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس وسعد القرظ المؤذن، وعن عطاء مرسلا، وليس في شيء منها ما ذكره الزرقاني، وإليك ألفاظ أحاديثهم ما تخريجها: